والمراد من ذكر هذه القصص تحذير [ الناس و ] المكذبين لمحمد صلى الله عليه وسلم ، ولهذا قال :
{ أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولَئِكُمْ } أي : هؤلاء الذين كذبوا أفضل الرسل ، خير من أولئك المكذبين ، الذين ذكر الله هلاكهم وما جرى عليهم ؟ فإن كانوا خيرا منهم ، أمكن أن ينجوا من العذاب ، ولم يصبهم ما أصاب أولئك الأشرار ، وليس الأمر كذلك ، فإنهم إن لم يكونوا شرا منهم ، فليسوا بخير منهم ، { أَمْ لَكُمْ بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ } أي : أم أعطاكم الله عهدا وميثاقا في الكتب التي أنزلها على الأنبياء ، فتعتقدون حينئذ أنكم الناجون بإخبار الله ووعده ؟
وبعد هذا الحديث المتنوع عن أخبار الطغاة الغابرين ، التفتت السورة الكريمة بالخطاب إلى كفار مكة ، لتحذرهم من سوء عاقبة الاقتداء بالكافرين ، ولتدعوهم إلى التفكر والاعتبار ، فقال - تعالى - : { أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِّنْ أُوْلَئِكُمْ أَمْ لَكُم بَرَآءَةٌ فِي الزبر } .
والاستفهام للنفى والإنكار ، والمراد بالخيرية ، الخيرية الدنيوية ، كالقوة والغنى والجاه ، والسلطان ، والخطاب لأهل مكة .
والبراءة من الشىء : التخلص من تبعاته وشروره ، والمراد بها التخلص من العذاب الذى أعده الله - تعالى - للكافرين ، والسلامة منه .
والزبر : جمع زبور ، وهو الكتاب الذى يكتب فيه .
والمعنى : أكفاركم - يا أهل مكة - خير من اولئكم السابقين فى القوة والغنى والتمكين فى الأرض . . ؟ أم أن لكم عندنا عهدا فى كتبنا ، بأن لا نؤاخذكم على كفركم وشرككم . . ؟
كلا ، ليس لكم شىء من ذلك فأنتم لستم بأقوى من قوم نوح وهود وصالح ولوط ، أو من فرعون وملئه ، وأنتم - أيضا - لم تأخذوا منا عهدا بأن نبرئكم من العقوبة عن كفركم .
وما دام الأمر كذلك فكيف أبحتم لأنفسكم الإصرار على الكفر والجحود ؟ إن ما أنتم عليه من شرك لا يليق بمن عنده شىء من العقل السليم .
والآن . وقد أسدل الستار على آخر مشهد من مشاهد العذاب والنكال . والمكذبون يشهدون ؛ ويتلقى حسهم إيقاع هذه المشاهد : الآن والمصارع المتتالية حاضرة في خيالهم ، ضاغطة على حسهم . . الآن يتوجه إليهم بالخطاب ؛ يحذرهم مصرعا كهذه المصارع . وينذرهم ما هو أدهى وأفظع :
( أكفاركم خير من أولئكم ? أم لكم براءة في الزبر ? أم يقولون : نحن جميع منتصر ? سيهزم الجمع ويولون الدبر . بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر . إن المجرمين في ضلال وسعر . يوم يسحبون في النار على وجوههم : ذوقوا مس سقر . إنا كل شيء خلقناه بقدر . وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر . ولقد أهلكنا أشياعكم فهل من مدكر . وكل شيء فعلوه في الزبر . وكل صغير وكبير مستطر ) . .
إنه الإنذار بعذاب الدنيا وعذاب الآخرة ؛ وإسقاط كل شبهة وكل شك في صدق هذا الإنذار وسد كل ثغرة وكل طمع في الهرب والفكاك ؛ أو المغالطة في الحساب والفرار من الجزاء !
تلك كانت مصارع المكذبين . فما يمنعكم أنتم من مثل ذلك المصير ? ( أكفاركم خير من أولئكم ? ) . . وما ميزة كفاركم على أولئكم ? ( أم لكم براءة في الزبر ) . . تشهد بها الصحائف المنزلة ، فتعفوا إذن من جرائر الكفر والتكذيب ? لا هذه ولا تلك . فلستم خيرا من أولئكم ، وليست لكم براءة في الصحائف المنزلة ، وليس هنالك إلا لقاء المصير الذي لقيه الكفار من قبلكم في الصورة التي يقدرها الله لكم .
وقوله تعالى : { أكفاركم } الآية خطاب لقريش ، وفهم على جهة التوبيخ . أثم خصلة من المال أو قوة أبدان وبسطة أو عقول أو غير ذلك ممنا يقتضي أنكم خير من هؤلاء المعذبين لما كذبوا ، فيرجى لكم بذلك الفضل النجاء من العذاب حين كذبتم رسولكم ؟ { أم لكم } في كتب الله المنزلة { براءة } من العذاب ؟ قاله الضحاك وابن زيد وعكرمة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.