وقوله - سبحانه - : { وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الكافرين } بيان لما يكون عليه الكافرون من ندم شديد ، عندما يرون حسن مصير المؤمنين ، وسوء مصير المكذبين .
والحسرة : هى الندم الشديد المتكرر ، على أمر نافع قد مضى ولا يمكن تداركه .
أى : وإن هذا القرآن الكريم ، ليكون يوم القيامة ، سبب حسرة شديدة وندامة عظيمة ، على الكافرين ، لأنهم يرون المؤمنين به فى هذا اليوم فى نعيم مقيم ، أما هم فيجدون أنفسهم فى عذاب أليم .
ثم قال : { وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكَافِرِينَ } قال ابن جرير : وإن التكذيب لحسرة على الكافرين يوم القيامة وحكاه عن قتادة بمثله .
وروى ابن أبي حاتم ، من طريق السدي ، عن أبي مالك : { وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكَافِرِينَ } يقول : لندامة . ويحتمل عود الضمير على القرآن ، أي : وإن القرآن والإيمان به لحسرة في نفس الأمر على الكافرين ، كما قال : { كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِهِ } [ الشعراء : 200 ، 201 ] ، وقال تعالى : { وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ } [ سبأ : 54 ] ولهذا قال ها هنا : { وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ }
وقوله : وَإنّا لَنَعْلَمُ أنّ مِنْكُمْ مُكَذّبِينَ يقول تعالى ذكره : وإنا لنعلم أن منكم مكذّبين أيها الناس بهذا القرآن وَإنّهُ لَحَسْرَةٌ على الكافِرِينَ يقول جلّ ثناؤه : وإن التكذيب به لحسرة وندامة على الكافرين بالقرآن يوم القيامة وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة وَإنّهُ لَحَسْرَةٌ على الكافِرِينَ ذاكم يوم القيامة .
والحَسرة : الندَم الشديد المتكرر على شيء فائت مرغوب فيه ، ويقال لها : التلهف ، اشتقت من الحَسْر وهو الكشف لأن سببها ينكشف لصاحبها بعد فوات إدراكه ولا يزال يعاوده ، فالقرآن حسرة على الكافرين أي سبب حسرة عليهم في الدنيا والآخرة ، فهو حسرة عليهم في الدنيا لأنه فَضح تُرَّهَاتِهم ونقض عماد دينهم الباطل وكشف حقارة أصنامهم ، وهو حسرة عليهم في الآخرة لأنهم يجدون مخالفته سبب عذابهم ، ويقفون على اليقين بأن ما كان يدعوهم إليه هو سبب النجاح لو اتبعوه لا سيما وقد رأوا حسن عاقبة الذين صدّقوا به .
والمكذبون : هم الكافرون . وإنما عدل عن الإتيان بضميرهم إلى الاسم الظاهر لأن الحسرة تعم المكذبين يومئذٍ والذين سيكفرون به من بعد .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{وإنه لحسرة على الكافرين} يوم القيامة.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
وإن التكذيب به لحسرة وندامة على الكافرين بالقرآن يوم القيامة.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
أي القرآن حسرة عليهم يوم القيامة لأنه شافع مشفع لمن اتبعه، وعمل بما فيه، وماحل مصدَّق لمن نبذه وراء ظهره، ولم يعمل به فهو حسرة عليهم، لأنه يخاصمهم، فيخصمهم ويشهد عليهم، فيصدق في شهادته، ويذكرون يوم القيامة معاملتهم بالقرآن، فيندمون عليه، ويزيدهم حسرة لأنهم إذ يتلى عليهم القرآن في الدنيا ازدادوا عند تلاوته ضلالا وكفرا، وازدادوا به رجسا إلى رجسهم كما قال: {وأما الذين في قلبوهم مرض فزادهم رجسا إلى رجسهم} [التوبة: 125] وهو ليس بسبب لازدياد الرجس، ولكنهم كانوا يحدثون زيادة تكذيب وضلال عند التلاوة، فأضيفت الزيادة إلى القرآن، إذ كان القرآن، هو الذي يحملهم على زيادة التكذيب. فهذه المعاملة تزيدهم حسرة يوم القيامة، فأضيفت إلى القرآن، إذ كان القرآن هو الذي عنده ما وقعوا فيه كما أضيف الرجس إليه، والله أعلم.
الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي 427 هـ :
{وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكَافِرِينَ} إذا رأوا ثواب متابعيه وقد خالفوه.
النكت و العيون للماوردي 450 هـ :
{لَحسْرةٌ على الكافرين} يعني ندامة يوم القيامة.
ويحتمل وجهاً ثانياً: أن يزيد حسرتهم في الدنيا حين لم يقدروا على معارضته عند تحدّيهم أن يأتوا بمثله.
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
فالحسرة الغم من أجل ما انحسر وقته كيف فات العمل الذي كان ينبغي فيه أن يفعل، فيحسر السرور عن النفس إلى الغم بانحساره.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
(وإنه لحسرة على الكافرين).. بما يرفع من شأن المؤمنين، ويحط من قدر المكذبين، وبما ينتهي إليه من إقرار الحق وإزهاق الباطل الذي يستمسك به الكافرون. ثم إنه حجة عليهم عند الله في اليوم الآخر، يعذبون به، ويتحسرون لما يصيبهم بسببه. فهو حسرة على الكافرين في الدنيا والآخرة.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
والحَسرة: الندَم الشديد المتكرر على شيء فائت مرغوب فيه، ويقال لها: التلهف، اشتقت من الحَسْر وهو الكشف لأن سببها ينكشف لصاحبها بعد فوات إدراكه، ولا يزال يعاوده، فالقرآن حسرة على الكافرين أي سبب حسرة عليهم في الدنيا والآخرة، فهو حسرة عليهم في الدنيا لأنه فَضح تُرَّهَاتِهم ونقض عماد دينهم الباطل وكشف حقارة أصنامهم، وهو حسرة عليهم في الآخرة لأنهم يجدون مخالفته سبب عذابهم، ويقفون على اليقين بأن ما كان يدعوهم إليه هو سبب النجاح لو اتبعوه لا سيما وقد رأوا حسن عاقبة الذين صدّقوا به. والمكذبون: هم الكافرون. وإنما عدل عن الإتيان بضميرهم إلى الاسم الظاهر لأن الحسرة تعم المكذبين يومئذٍ والذين سيكفرون به من بعد.