والمراد بالرج فى قوله - تعالى - بعد ذلك : { إِذَا رُجَّتِ الأرض رَجّاً وَبُسَّتِ الجبال بَسّاً . . . } التحريك الشديد ، والاضطراب الواضح . يقال : رج فلان الشىء رجا ، إذا حركه بعنف وزلزلزه بقوة . . .
وقوله { وَبُسَّتِ } من البس بمعنى التفتيت والتكسر الدقيق ، ومنه قولهم : بس فلان السويق ، إذا فتته ولته وهيأه للأكل .
أى : إذا رجت الأرض وزلزت زلزالا شديدا ، وفتتت الجبال تفتيتا حتى صارت كالسويق الملتوت . . . . فكانت تلك الجبال كالهباء المنبث أى : المتفرق الذى يلوح من خلال شعاع الشمس إذا ما دخل من نافذة . .
إذا ما حدث كل ذلك ، وجد كل إنسان جزاءه من خير أو شر ، { فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ } فجواب الشرط ما ذكرته الآيات بعد ذلك من حسن عاقبة أصحاب الميمنة وسوء عاقبة أصحاب المشأمة .
ومن الآيات الكثيرة ، التى وردت فى معنى هذه الآيات قوله - تعالى - : { يَوْمَ تَرْجُفُ الأرض والجبال وَكَانَتِ الجبال كَثِيباً مَّهِيلاً }
وقوله : { إِذَا رُجَّتِ الأرْضُ رَجًّا } أي : حركت تحريكا فاهتزت واضطربت بطولها وعرضها . ولهذا قال ابن عباس ، ومجاهد ، وقتادة ، وغير واحد في قوله : { إِذَا رُجَّتِ الأرْضُ رَجًّا } أي : زلزلت زلزالا [ شديدا ]{[27984]} .
وقال الربيع بن أنس : ترج بما فيها كرج الغربال بما فيه .
وهذه كقوله تعالى : { إِذَا زُلْزِلَتِ الأرْضُ زِلْزَالَهَا } [ الزلزلة : 1 ] ، وقال تعالى : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ } [ الحج : 1 ] .
وقوله : إذَا رُجّتِ الأرْضُ رَجّا يقول تعالى ذكره : إذا زلزلت الأرض فحرّكت تحريكا من قولهم السهم يرتجّ في الغرض ، بمعنى : يهتزّ ويضطرب . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : إذَا رُجّتِ الأرْضُ رَجّا يقول : زلزلها .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قول الله : إذَا رُجّتِ الأرْضُ رَجّا قال : زلزلت .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : إذَا رُجّتِ الأرْضُ رَجّا يقول : زلزلت زلزلة .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة إذا رُجّتِ الأرْضُ رَجّا قال : زلزلت زلزالاً .
والعامل في قوله : { إذا رجت } ، { وقعت } ، لأن { إذا } هذه بدل من { إذا } الأولى ، وقد قالوا : إن { وقعت } هو العامل في الأولى ، وذلك لأن معنى الشرط فيها قوي ، فهي ك «من » و «ما » في الشرط ، يعمل فيها ما بعدها من الأفعال ، وقد قيل إن { إذا } مضافة إلى { وقعت } فلا يصح أن يعمل فيها ، وإنما العامل فيها فعل مقدر . ومعنى : { رجت } زلزلت وحركت بعنف ، قاله ابن عباس ، ومنه ارتج السهم في الغرض إذا اضطرب بعد وقوعه ، والرجة في الناس الأمر المحرك .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
وقوله:"إذَا رُجّتِ الأرْضُ رَجّا "يقول تعالى ذكره: إذا زلزلت الأرض فحرّكت تحريكا، من قولهم السهم يرتجّ في الغرض، بمعنى: يهتزّ ويضطرب... عن ابن عباس، قوله: "إذَا رُجّتِ الأرْضُ رَجّا" يقول: زلزلها.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
{إذا رجّت الأرض رجا} يخرج على السؤال؛ كأنهم لما سمعوا وصف القيامة والواقعة من المؤمنين، قالوا عند ذلك: متى تكون الواقعة؟ فعند ذلك قال: {إذا رجت الأرض رجا}.
الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي 427 هـ :
وذلك أن الله عزّ وجل إذا أوحى إليها اضطربت فرقاً. وأصل الرجّ في اللغة التحريك.
تفسير القرآن للسمعاني 489 هـ :
(إذا رجت الأرض رجا)...الرجة حركة يسمع منها صوت، وهي أكثر من الصيحة، فعلى هذا معنى الآية: حركت الأرض بمن فيها.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
ثم يبتدئ الهول في كيان هذه الأرض. الأرض الثابتة المستقرة فيما يحس الناس. فإذا هي ترج رجا -وهي حقيقة تذكر في التعبير الذي يتسق في الحس مع وقع الواقعة...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
{رجت} رَجّهَا رَاجٌّ، وهو ما يطرأ فيها من الزلازل والخسف ونحو ذلك. وتأكيده بالمصدر للدلالة على تحققه وليتأتى التنوين المشعر بالتعظيم والتهويل.