اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{إِذَا رُجَّتِ ٱلۡأَرۡضُ رَجّٗا} (4)

قوله : { إِذَا رُجَّتِ الأرض } .

يجوز أن يكون بدلاً من «إذا » الأولى ، أو تأكيداً لها ، أو خبراً لها على أنها مبتدأ . كما تقدم تحريره .

وأن يكون شرطاً ، والعامل فيه إما مقدر ، وإما فعلها الذي يليها ، كما تقدّم في نظيرتها .

وقال الزمخشري{[54689]} : «ويجوز أن ينتصب ب «خافضة رافعة » أي تخفض وترفع وقت رجِّ الأرض وبس الجبال ؛ لأنه عند ذلك يخفض ما هو مرتفع ، ويرفع ما هو منخفض » .

قال أبو حيَّان{[54690]} : «ولا يجوز أن ينتصب بهما معاً ، بل بأحدهما ، لأنه لا يجوز أن يجتمع مؤثران على أثر واحد » .

قال شهاب الدِّين{[54691]} : معنى كلامه أن كلاًّ منهما متسلّط عليه من جهة المعنى ، وتكون المسألة من باب التنازع ، وحينئذ تكون العبارةُ صحيحة ، إذ يصدق أن كلاًّ منهما عامل فيه ، وإن كان على التَّعاقُب .

والرَّج : التحريك الشديد بمعنى زلزلت .

قال مجاهد وغيره : يقال : رجَّه يرُجُّه رجًّا ، أي : حرّكه وزلزله{[54692]} .

وناقة رجاء : أي عظيمة السّنام .

والرَّجْرجَة : الاضطراب .

وارتجّ البحر وغيره : اضطرب .

وفي الحديث : «مَنْ ركِبَ البَحْرَ حينَ يَرتجُّ فلا ذمَّة لهُ »{[54693]} .

يعني : إذا اضطربت أمواجه .

قال الكلبي : وذلك أن الله - تعالى - إذا أوحى إليها اضطربت فرقاً من الله تعالى{[54694]} .

قال المفسرون : ترتج كما يرتجّ الصبي في المهد حتى ينهدم ما عليها ، وينكسر كل شيء عليها من الجبال وغيرها .

وعن ابن عباس رضي الله عنهما : الرَّجَّة : الحركة الشديدة يسمع لها صوت{[54695]} .

قوله : { وَبُسَّتِ الجبال بَسّاً } .

أي : سيرت ، من قولهم : بسَّ الغنم ، أي : ساقها .

وأبْسَسْتُ الإبل أبُسُّهَا بَسَّاً ، وأبْسَسْتُ وبَسِسْتُ لغتان إذا زجرتها وقلت : بَسْ بَسْ . قاله أبو زيد .

أو بمعنى «فُتّت » ، كقوله : { يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفاً } [ طه : 105 ] ، ويدل عليه : { فَكَانَتْ هَبَاءً مُّنبَثّاً } .

قال ابن عباس ومجاهد : كما يبسّ الدقيق ، أي : يُلتّ{[54696]} .

والبَسِيْسَةُ : السَّويقُ أو الدقيق يُلَتُّ بالسَّمن أو الزيت ، ثم يؤكل ولا يطبخ ، وقد يتخذ زاداً .

قال الراجز : [ الرجز ]

لا تَخْبِزَا خُبْزاً وبُسَّا بَسَّا *** ولا تُطِيْلا بِمُنَاخٍ حَبْسَا{[54697]}

وقال الحسن : «وبسّت » قلعتْ من أصلها فذهبت{[54698]} ، ونظيرها : يَنْسِفُهَا ربِّي نسفاً وقال عطية : بُسِطَتْ كالرَّمل والتراب{[54699]} .

وقال مجاهد : سالت سيلاً{[54700]} .

وقال عكرمة : هدّت{[54701]} .

وقرأ زيد{[54702]} بن علي : «رجَّت » ، و«بَسَّت » مبنيين للفاعل .

على أن «رَجَّ » و«بَسَّ » يكونان لازمين ومتعديين ، أي : ارتجت وذهبت .


[54689]:ينظر: الكشاف 4/456، والبحر المحيط 8/204، والدر المصون 6/253.
[54690]:ينظر: البحر المحيط 8/204.
[54691]:الدر المصون 6/253.
[54692]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (11/623).
[54693]:ذكره بهذا اللفظ المتقي الهندي في "كنز العمال" (15/360) رقم (41371) وعزاه إلى الباوردي عن زهير بن أبي جبل. وللحديث شاهد من حديث بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أخرجه أحمد (5/79). وذكره الهيثمي في "المجمع" (8/102) وقال: رواه أحمد عن شيخه إبراهيم بن القاسم ولم أعرفه.
[54694]:ذكره البغوي في "تفسيره" (4/279) عن الكلبي.
[54695]:ذكره القرطبي في "تفسيره" (17/127) عن ابن عباس.
[54696]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (11/624) عن مجاهد. وذكره البغوي في "تفسيره" (4/279).
[54697]:جاء في القرطبي: وذكر أبو عبيدة أن قائل هذين البيتين: لص من غطفان أراد أن يخبر فخاف أن يجعل عن ذلك فأكله عجينا. ويروى البيت الثاني هكذا: مَلسَا بدودٍ لحلسٍ مَلسَا *** ................. ينظر مجاز القرآن 2/248، ومعاني القرآن للفراء 3/121، والطبري 27/97، واللسان (بسس)، والقرطبي 17/128.
[54698]:ذكره البغوي في "تفسيره" (4/279).
[54699]:ذكره القرطبي في "تفسيره" (17/128).
[54700]:ذكره الماوردي في "تفسيره" (5/446).
[54701]:ينظر المصدر السابق.
[54702]:ينظر: الكشاف 4/456، والبحر المحيط 8/204، والدر المصون 6/253.