معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَفِرۡعَوۡنَ ذِي ٱلۡأَوۡتَادِ} (10)

{ وفرعون ذي الأوتاد } سمي بذلك لأنه كان يعذب الناس بالأوتاد ، وقد ذكرناه في سورة ( ص ) .

أخبرنا أبو سعيد الشريحي ، أنبأنا أبو إسحاق الثعلبي ، أنبأنا ابن فنجويه ، حدثنا مخلد بن جعفر ، حدثنا الحسن بن علوية ، حدثنا إسماعيل بن عيسى ، حدثنا إسحاق بن بشر عن ابن سمعان عن عطاء عن ابن عباس : أن فرعون إنما سمي ذا الأوتاد لأنه كانت امرأة ، وهي امرأة خازنه حزقيل ، وكان مؤمناً كتم إيمانه مائة سنة ، وكانت امرأته ماشطة بنت فرعون ، فبينما هي ذات يوم تمشط رأس بنت فرعون إذ سقط المشط من يدها ، فقالت : تعس من كفر بالله ، فقالت بنت فرعون : وهل لك من إله غير أبي ؟ فقالت : إلهي وإله أبيك وإله السماوات والأرض واحد لا شريك له ، فقامت فدخلت على أبيها وهي تبكي ، فقال : ما يبكيك ؟ قالت : الماشطة امرأة خازنك تزعم أن إلهك وإلهها وإله السماوات والأرض واحد لا شريك له . فأرسل إليها فسألها عن ذلك ، فقالت : صدقت ، فقال لها : ويحك اكفري بإلهك وأقري بأني إلهك ، قالت : لا أفعل فمدها بين أربعة أوتاد ، ثم أرسل عليها الحيات والعقارب ، وقال لها : اكفري بالله وإلا عذبتك بهذا العذاب شهرين ، فقالت له : ولو عذبتني سبعين شهراً ما كفرت بالله . وكان لها ابنتان فجاء بابنتها الكبرى فذبحها على قلبها . وقال لها : اكفري بالله وإلا ذبحت الصغرى على فيك ، وكانت رضيعاً ، فقالت : لو ذبحت من على وجه الأرض على في ما كفرت بالله عز وجل ، فأتى بابنتها الصغرى فلما اضطجعت على صدرها وأراد ذبحها جزعت المرأة ، فأطلق الله لسان ابنتها فتكلمت ، وهي من الأربعة الذين تكلموا أطفالاً ، وقالت : يا أماه لا تجزعي فإن الله قد بنى لك بيتاً في الجنة . اصبري فإنك تفضين إلى رحمة الله وكرامته ، فذبحت فلم تلبث أن ماتت فأسكنها الله في الجنة ، قال : وبعث في طلب زوجها حزقيل فلم يقدروا عليه ، فقيل لفرعون : إنه قد رؤي في موضع كذا في جبل كذا ، فبعث رجلين في طلبه فانتهيا إليه وهو يصلي ويليه صفوف من الوحوش خلفه يصلون ، فلما رأيا ذلك انصرفا ، فقال حزقيل : اللهم إنك تعلم أني كتمت إيماني مائة سنة ، ولم يظهر علي أحد ، فأيما هذين الرجلين كتم علي فاهده إلى دينك وأعطه من الدنيا سؤله ، وأيما هذين الرجلين أظهر علي فعجل عقوبته في الدنيا واجعل مصيره في الآخرة إلى النار ، فانصرف الرجلان إلى فرعون فأما أحدهما فاعتبر وآمن ، وأما الآخر فأخبر فرعون بالقصة على رؤوس الملأ ، فقال له فرعون : وهل كان معك غيرك ؟ قال : نعم فلان ، فدعا به فقال : أحق ما يقول هذا ؟ قال : لا ، ما رأيت مما قال شيئاً فأعطاه فرعون وأجزل ، وأما الآخر فقتله ، ثم صلبه . قال : وكان فرعون قد تزوج امرأة من نساء بني إسرائيل يقال لها آسية بنت مزاحم فرأت ما صنع فرعون بالماشطة ، فقالت : وكيف يسعني أن أصبر على ما يأتي به فرعون ، وأنا مسلمة وهو كافر ؟ فبينما هي كذلك تؤامر نفسها إذ دخل عليها فرعون فجلس قريباً منها ، فقالت : يا فرعون أنت أشر الخلق وأخبثهم عمدت إلى الماشطة فقتلتها ، قال : فلعل بك الجنون الذي كان بها قالت ما بي من جنون ، وإن إلهي وإلهها وإلهك وإله السماوات والأرض واحد لا شريك له ، فمزق عليها ثيابها وضربها وأرسل إلى أبويها فدعاهما ، فقال لهما : ألا تريان أن الجنون الذي كان بالماشطة أصابها ؟ قالت : أعوذ بالله من ذلك ، إني أشهد أن ربي وربك ورب السماوات والأرض واحد لا شريك له ، فقال أبوها : يا آسية من خير نساء العماليق وزوجك إله العماليق ؟ قالت أعوذ بالله من ذلك ، إن كان ما يقول حقاً فقولا له أن يتوجني تاجاً تكون الشمس أمامه والقمر خلفه والكواكب حوله ، فقال لهما فرعون : اخرجا عني ، فمدها بين أربعة أوتاد يعذبها ، ففتح الله لها باباً إلى الجنة ليهون عليها ما يصنع بها فرعون ، فعند ذلك قالت : { رب ابن لي عندك بيتاً في الجنة ونجني من فرعون وعمله ، ونجني من القوم الظالمين }( التحريم- 11 ) ، فقبض الله روحها وأسكنها الجنة .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَفِرۡعَوۡنَ ذِي ٱلۡأَوۡتَادِ} (10)

وقوله : وَفِرْعَوْنَ ذِي الأوْتادِ يقول جلّ ثناؤه : ألم تر كيف فعل ربك أيضا بفرعون صاحب الأوتاد .

واختلف أهل التأويل في معنى قوله : ذِي الأوْتادِ ولم قيل له ذلك ، فقال بعضهم : معنى ذلك : ذي الجنود الذي يقوّون له أمره ، وقالوا : الأوتاد في هذا الموضع : الجنود . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس وَفِرْعُونَ ذِي الأْوتادِ قال : الأوتاد : الجنود الذين يشدّون له أمره ، ويقال : كان فرعون يُوتِد في أيديهم وأرجلهم أوتادا من حديد ، يعلقهم بها .

وقال آخرون : بل قيل له ذلك لأنه كان يُوتِد الناس بالأوتاد . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحرث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : ذِي الأوْتادِ قال : كان يوتد الناس بالأوتاد .

وقال آخرون : كانت مظال وملاعب يلعب له تحتها . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة وَفِرْعَوْنَ ذِي الأوْتادِ ذُكر لنا أنها كانت مظال وملاعب يلعب له تحتها ، من أوتاد وحبال .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ذِي الأوْتادِ قال : ذي البناء كانت مظال يلعب له تحتها ، وأوتادا تضرب له .

قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن ثابت البُنَاني ، عن أبي رافع ، قال : أوتد فرعون لامرأته أربعة أوتاد ، ثم جعل على ظهرها رحا عظيمة حتى ماتت .

وقال آخرون : بل ذلك لأنه كان يعذّب الناس بالأوتاد . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن إسماعيل ، عن محمود ، عن سعيد بن جُبير وَفِرْعَوْنَ ذِي الأوْتادِ قال : كان يجعل رجلاً ها هنا ، ورجلاً ها هنا ، ويدا ها هنا ، ويدا ها هنا بالأوتاد .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحرث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : ذِي الأوْتادِ قال : كان يُوتد الناس بالأوتاد .

وقال آخرون : إنما قيل ذلك لأنه كان له بنيان يعذّب الناس عليه . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن إسماعيل ، عن رجل ، عن سعيد بن جُبَير وَفِرْعَوْنَ ذِي الأوْتادِ قال : كان له مَنارات يعذّبهم عليها .

وأولى هذه الأقوال عندي بالصواب ، قول من قال : عُنِي بذلك : الأوتاد التي تُوتَد ، من خشب كانت أو حديد ، لأن ذلك هو المعروف من معاني الأوتاد ، ووصف بذلك ، لأنه إما أن يكون كان يعذّب الناس بها ، كما قال أبو رافع وسعيد بن جُبير ، وإما أن يكون كان يُلْعب له بها .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَفِرۡعَوۡنَ ذِي ٱلۡأَوۡتَادِ} (10)

{ وفرعون } هو فرعون موسى ، واختلف الناس في أوتاده فقيل أبنيته العالية العظيمة ، قاله محمد بن كعب ، وقيل جنوده الذين بهم يثبت ملكه وقيل المراد أوتاد أخبية عساكره وذكرت لكثرتها ودلالتها على غزواته وطوفه في البلاد ، قاله ابن عباس ومنه قول الأسود بن يعفر :

في ظل ملك ثابت الأوتاد . {[11794]} . . وقال قتادة : كان له أوتاد يلعب عليها الرجال بين يديه وهو مشرف عليهم ، وقال مجاهد : كان يوتد الناس بأوتاد الحديد يقتلهم بذلك يضربها في أبدانهم حتى تنفذ إلى الأرض ، وقيل إنما فعل ذلك بزوجته آسية ، وقيل إنما فعل بماشطة ابنته لأنها كانت آمنت بموسى .


[11794]:هذا عجز بيت قاله الأسود بن يعفر، وهو من قصيدة يتذكر فيها الشاعر أيام شبابه، ويتحسر على سعادته الضائعة، وما كان ينعم به من لهو ومجون وفروسية، شأنه شأن الفرسان في الجاهلية، والبيت بتمامه: ولقد غنوا فيها بأنعم عيشة في ظل ملك ثابت الأوتاد وغنوا: أقاموا ، يقول: إن أهل هذه الديار التي يتحسر عليها كانوا يعيشون فيها منعمين تحت حكم ثابت متين.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَفِرۡعَوۡنَ ذِي ٱلۡأَوۡتَادِ} (10)

والمراد ب { فرعون } هو وقومه .

ووصف { ذي الأوتاد } لأن مملكته كانت تحتوي على الأهرام التي بناها أسلافه لأن صورة الهرم على الأرض تشبه الوتد المدقوق ، ويجوز أن يكون الأوتاد مستعاراً للتمكن والثبات ، أي ذي القوة على نحو قوله : { ذات العماد } ، وقد تقدم عند قوله تعالى : { كذبت قبلهم قوم نوح وعاد وفرعون ذُو الأوتاد } في ص ( 12 ) .