لباب التأويل في معاني التنزيل للخازن - الخازن  
{وَفِرۡعَوۡنَ ذِي ٱلۡأَوۡتَادِ} (10)

{ وفرعون ذي الأوتاد } سمي بذلك لكثرة جنوده وكثرة مضاربهم وخيامهم التي كانوا يضربونها ، إذا نزلوا ، وقيل معناه ذي الملك كما قيل في ظل ملك راسخ الأوتاد .

وقيل سمي بذلك لأنه كان يعذب الناس بالأوتاد وروى البغوي بإسناد الثعلبي عن ابن عباس أن فرعون إنما سمي ذا الأوتاد لأنه كانت عنده امرأة مؤمنة وهي امرأة خازنة حزقيل وكان مؤمناً كتم إيمانه مائة سنة وكانت امرأته ماشطة بنت فرعون فبينما هي ذات يوم تمشط رأس بنت فرعون إذ سقط المشط من يدها فقالت تعس من كفر بالله فقالت بنت فرعون وهل لك من إله غير أبي فقالت إلهي وإله أبيك وإله السماوات والأرض واحد لا شريك له فقامت ودخلت على أبيها وهي تبكي فقال لها ما يبكيك قالت الماشطة امرأة خازنك تزعم أن إلهك وإلهنا وإله السماوات والأرض واحد لا شريك له فأرسل إليها فسألها عن ذلك فقالت صدقت فقال لها : ويحك اكفري بإلهك وقري أني إلهك قالت لا أفعل فمدها بين أربعة أوتاد ثم أرسل عليها الحيات والعقارب وقال لها : اكفري بالله وإلا عذبتك بهذا العذاب شهرين فقالت لو عذبتني سبعين شهراً ما كفرت بالله وكان لها ابنتان فجاء بابنتها الكبرى فذبحها على قلبها ثم قال اكفري بالله وإلا ذبحت الصغرى على فيك وكانت رضيعاً فقالت لو ذبحت من في الأرض على فيّ ما كفرت بالله عزّ وجلّ فأتى بابنتها فلما اضطجعت على صدرها وأراد ذبحها جزعت المرأة فأطلق الله لسان ابنتها فتكلمت وهي من الأربعة الذين تكلموا في المهد صغاراً أطفالاً وقالت يا أماه لا تجزعي فإن الله قد بنى لك بيتاً في الجنة فاصبري فإنك تفضين إلى رحمة الله وكرامته فذبحت فلم تلبث الأم أن ماتت فأسكنها الله الجنة قال : وبعث في طلب زوجها حزقيل فلم يقدروا عليه فقيل لفرعون إنه قد رؤي في موضع كذا في جبل كذا فبعث رجلين في طلبه فانتهى إليه الرجلان ، وهو يصلي وثلاثة صفوف من الوحش خلفه يصلون فلما رأوا ذلك انصرفوا فقال ، حزقيل : اللّهم إنك تعلم أني كتمت إيماني مائة سنة ولم يظهر عليّ أحد فأيما هذين الرجلين كتم عليّ فاهده إلى دينك وأعطه من الدنيا سؤاله وأيما هذين الرجلين أظهر عليّ فعجل عقوبته في الدنيا واجعل مصيره في الآخرة إلى النار فانصرف الرجلان إلى فرعون فأما أحدهما فاعتبر وآمن وأما الآخر فأخبر فرعون بالقصة على رؤوس الملأ فقال له فرعون وهل معك غيرك قال نعم فلان فدعا به فقال أحق ما يقول هذا قال ما رأيت مما يقول شيئاً فأعطاه فرعون وأجزل وأما الآخر فقتله ثم صلبه قال : وكان فرعون قد تزوج امرأة من أجمل نساء بني إسرائيل يقال لها آسية بنت مزاحم ، فرأت ما صنع فرعون بالماشطة ، فقالت وكيف يسعني أن أصبر على ما يأتي فرعون وأنا مسلمة وفرعون كافر ؟ فبينما هي كذلك تؤامر نفسها إذ دخل عليها فرعون فجلس قريباً منها ، فقالت يا فرعون أنت أشر الخلق وأخبثهم ، عمدت إلى الماشطة فقتلتها قال فلعل بك الجنون الذي كان بها ، قالت : ما بي جنون وإن إلهها وإلهك وإلهي وإله السماوات والأرض واحد لا شريك له فبصق عليها وضربها ، وأرسل إلى أبيها وأمها فدعاهما وقال لهما : إن الجنون الذي كان بالماشطة أصابها ، قالت : أعوذ بالله من ذلك ، إني أشهد أن ربي وربك ورب السماوات والأرض واحد لا شريك له ، فقال لها أبوها : يا آسية ألست من خير نساء العماليق ، وزوجك إله العماليق قالت : أعوذ بالله من ذلك إن كان ما يقول حقاً فقولا له أي يتوجني تاجاً تكون الشمس أمامه والقمر خلفه والكواكب حوله . فقال لهما فرعون أخرجا عني ثم مدها بين أربعة أوتاد يعذبها ففتح الله لها باباً إلى الجنة ليهون عليها ما يصنع بها فرعون ، فعند ذلك{ قالت رب ابنِ لي عندك بيتاً في الجنة ونجّني من فرعون وعمله } [ التحريم : 11 ] ، فقبض الله روحها وأدخلها الجنة .