والفاء فى قوله - سبحانه - : { فَأَنذَرْتُكُمْ نَاراً تلظى } للإفصاح عن مقدر ، لأنها تدل على مراعاة مضمون الكلام الذى قبلها ، وتأتى بعده بما يفصله ويزيده وضوحا . .
وقوله : { تلظى } أى : تتوقد وتتوهج وتلتهب ، وأصله تتلظى ، فحذفت إحدى التاءين تخفيفا . أى : إذا كان الأمر كما ذكرت لكم ، من حسن عاقبة من أعطى واتقى ، ومن سوء عاقبة من بخل واستغنى ، ومن أن كل شئ تحت قدرتنا وتصرفنا .
فأكون بذلك قد حذرتكم من عذاب عظيم يوم القيامة ، وخوفتكم من السقوط فى نار عظيمة تلتهب وتتوقد ، وهذه النار { لاَ يَصْلاَهَآ } أى : لا يحترق بها { إِلاَّ الأشقى أى : من اشتد شقاؤه بسبب إصراره على كفره وفجوره .
وقوله تعالى : { لا يصلاها إلا الأشقى } أي { لا يصلاها } صلي خلود ، ومن هنا ضلت المرجئة لأنها أخذت نفي الصلي مطلقاً في قليله وكثيره ، و { الأشقى } هنا ، الكافر بدليل قوله الذي كذب ، والعرب تجعل أفعل في موضع فاعل مبالغة كما قال طرفة : [ الطويل ]
تمنى رجال أن أموت وإن أمت *** فتلك سبيل لست فيها بأوحد{[11864]}
وجملة { لا يصلاها إلا الأشقى } صفة ثانية أو حال من { ناراً } بعد أن وصفت . وهذه نار خاصة أعدت للكافرين فهي التي في قوله : { فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين } [ البقرة : 24 ] والقرينة على ذلك قوله : { وسيجنبها الأتقى } الآية .
وذكر القرطبي أن أبا إسحاق الزجاج قال : هذه الآية التي من أجلها قال أهلُ الإِرجاء بالإِرجاء فزعموا : أن لا يدخل النار إلا كافر ، وليس الأمر كما ظنوا : هذه نار موصوفة بعينها لا يصلى هذه النار إلا الذي كذب وتولى ، ولأهل النار منازل فمنها أن المنافقين في الدرك الأسفل من النار اه .
والمعنى : لا يصلاها إلا أنتم .
وقد أتبع { الأشقى } بصفة { الذي كذب وتولى } لزيادة التنصيص على أنهم المقصود بذلك فإنهم يعلمون أنهم كذبوا الرسول صلى الله عليه وسلم وتولوا ، أي أعرضوا عن القرآن ، وقد انحصر ذلك الوصف فيهم يومئذ فقد كان الناس في زمن ظهور الإسلام أحد فريقين : إما كافر وإما مؤمن تقي ، ولم يكن الذين أسلموا يغشون الكبائر لأنهم أقبلوا على الإِسلام بشراشرهم ، ولذلك عطف { وسيجنبها الأتقى } الخ تصريحاً بمفهوم القصر وتكميلاً للمقابلة .
و{ الأشقى } و{ الأتقى } مراد بهما : الشديد الشقاء والشديد التقوى ومثله كثير في الكلام .
وذكر القرطبي : أن مالكاً قال : صلّى بنا عمر بن عبد العزيز المغرب فقرأ { والليل إذا يغشى } فلما بلغ : { فأنذرتكم ناراً تلظى } وقع عليه البكاء فلم يقدر يتعدّاها من البكاء فتركها وقرأ سورة أخرى » .
ووصف { الأشقى } بصلة { الذي كذب وتولى } ، ووصف { الأتقى } بصلة { الذي يؤتى ماله يتزكى } للإِيذان بأن للصلة تسبباً في الحكم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.