وقوله : { إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ } جواب القسم ، وهو المحلوف عليه أى : أقسم إن هذا القرآن لقول رسول كريم ، هو محمد صلى الله عليه وسلم .
وأضاف - سبحانه - القرآن إلى الرسول صلى الله عليه وسلم باعتبار أنه هو الذى تلقاه عن الله - تعالى - وهو الذى بلغه عنه بأمره وإذنه .
أى : أن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول هذا القرآن ، وينطق به ، على وجه التبليغ عن الله - تعالى - .
قال الإِمام ابن كثير : قوله : { إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ } يعنى محمدا صلى الله عليه وسلم أضافه إليه على معنى التبليغ ، لأن الرسول من شأنه أن يبلغ عن المُرسِل ، ولهذا أضافه فى سورة التكوير إلى الرسول الملكى فقال : { إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ . ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي العرش مَكِينٍ . مُّطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ } وهو جبريل - عليه السلام -
وبعضهم يرى أن " لا " فى مثل هذا التركيب ليست مزيدة ، وإنما هى أصلية ، ويكون المقصود من الآية الكريمة ، بيان أن الأمر فى الوضوح بحيث لا يحتاج إلى قسم ، إذ كل عاقل عندما يقرأ القرآن ، يعتقد أنه من عند الله .
ويكون المعنى : فلا أقسم بما تبصرونه من مخلوقات ، وبما لا تبصرونه . . لظهور الأمر واستغنائه عن القسم . .
قال الشوكانى : قوله : { فَلاَ أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ . وَمَا لاَ تُبْصِرُونَ } هذا رد لكلام المشركين ، كأنه قال : ليس الأمر كما تقولون . و " لا " زائدة والتقدير : فأقسم بما تشاهدونه وبما لا تشاهدونه .
وقيل إن " لا " ليست زائدة ، بل هى لنفى القسم ، أى : لا أحتاج إلى قسم لوضوح الحق فى ذلك . والأول أولى .
وتأكيد قوله : { إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ } بإنَّ وباللام ، للرد على المشركين الذين قالوا عن القرآن الكريم : أساطير الأولين .
يقول تعالى مُقسمًا لخلقه بما يشاهدونه من آياته في مخلوقاته الدالة على كماله في أسمائه وصفاته ، وما غاب عنهم مما لا يشاهدونه من المغيبات عنهم : إن القرآن كلامُه ووحيه وتنزيلُه على عبده ورسوله ، الذي اصطفاه لتبليغ الرسالة وأداء الأمانة ، فقال : { فَلا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ وَمَا لا تُبْصِرُونَ إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ } يعني : محمدًا ، أضافه إليه على معنى التبليغ ؛ لأن الرسول من شأنه أن يبلغ عن المرسل ؛ ولهذا أضافه في سورة التكوير إلى الرسول الملكي : { إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ } وهذا جبريل ، عليه السلام .
ثم قال : { وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ } يعني : محمدًا صلى الله عليه وسلم { وَلَقَدْ رَآهُ بِالأفُقِ الْمُبِينِ } يعني : أن محمدا رأى جبريل على صورته التي خلقه الله عليها ، { وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ } أي : بمتهم { وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ } [ التكوير : 19 - 25 ] ، وهكذا قال هاهنا : { وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلا مَا تُؤْمِنُونَ وَلا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلا مَا تَذَكَّرُونَ } ،
وضمير { إنه } عائد إلى القرآن المفهوم من ذكر الحشر والبعث ، فإن ذلك مما جاء به القرآن ومجيئه بذلك من أكبر أسباب تكذيبهم به ، على أن إرادة القرآن من ضمائر الغيبة التي لا معاد لها قد تكرر غير مرة فيه .
وتأكيد الخبر بحرف ( إنَّ ) واللاممِ للرد على الذين كذبوا أن يكون القرآن من كلام الله ونسبوه إلى غير ذلك .
والمراد بالرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم كما يقتضيه عطف قوله : { ولو تَقَول علينا بعض الأقاويل } [ الحاقة : 44 ] ، وهذا كما وصف موسى ب { رسول كريم في قوله تعالى : { ولقد فتنا قبلهم قوم فرعون وجاءَهم رسول كريم } [ الدخان : 17 ] وإضافة { قول } إلى { رسول } لأنه الذي بلّغه فهو قائله ، والإِضافة لأدنى ملابسة وإلاّ فالقرآن جَعَله الله تعالى وأجَراه على لسان النبي صلى الله عليه وسلم كما صدر من جبريل بإيحائه بواسطته قال تعالى : { فإنما يسرناه بلسانك } [ مريم : 97 ] .
رَوي مقاتل أن سبب نزولها : أن أبا جهل قال : إن محمداً شاعر ، وأن عقبة بن أَبي مُعيط قال : هو كاهن ، فقال الله تعالى : { إنه لقول رسول كريم } الآية .
ويجوز أن يراد ب { رسول كريم } جبريل عليه السلام كما أريد به في سورة التكوير إذ الظاهر أن المراد به هنالك جبريل كما يأتي .
وفي لفظ { رسول } إيذان بأن القول قول مُرسله ، أي الله تعالى ، وقد أكد هذا المعنى بقوله عقبه { تنزيل من رب العالمين .
ووصف الرسول ب { كريم } لأنه الكريم في صنفه ، أي النفيس الأفضل مثل قوله : { إني أُلقي إليّ كتاب كريم } في سورة النمل ( 29 ) .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.