ثم بين - سبحانه - ما يحدث للرسول صلى الله عليه وسلم لو أنه - على سبيل الفرض - غيرَّ أو بدل شيئا من القرآن فقال : { وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأقاويل . لأَخَذْنَا مِنْهُ باليمين . ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الوتين . فَمَا مِنكُمْ مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ }
والتقول : افتراء القول ، ونسبته إلى من لم يقله ، فهو تفعل من القول يدل على التكلف والتصنع والاختلاق .
والأقاويل : جمع أقوال ، الذى هو جمع قول ، فهو جمع الجمع .
أى : ولو أن محمداً صلى الله عليه وسلم افترى علينا بعض الأقوال ، أو نسب إلينا قولا لم نقله ، أو لم نأذن له فى قوله . . لو أنه فعل شيئا من ذلك على سبيل الفرض .
هذه الجملة عطف على جملة { فلا أقسم بما تبصرون وما لا تبصرون } [ الحاقة : 3839 ] فهي مشمولة لما أفادته الفاء من التفريع على ما اقتضاه تكذيبهم بالبعث من تكذيبهم القرآن ومَن جاء به وقال : إنه وحي من الله تعالى .
فمفاد هذه الجملة استدلال ثان على أن القرآن منزل من عند الله تعالى على طريقة المذهب الكلامي ، بعد الاستدلال الأول المستند إلى القَسم والمؤكدات على طريقة الاستدلال الخَطابي .
وهو استدلال بما هو مقرر في الأذهان من أن الله واسع القدرة ، وأنه عليم فلا يقرر أحداً على أن يقول عنه كلاماً لم يقله ، أي لو لم يكن القرآن منزلاً من عندنا ومحمد ادعى أنه منزَّل مِنا ، لما أقررناه على ذلك ، ولعجّلنا بإهلاكه . فعدَم هلاكه صلى الله عليه وسلم دال على أنه لم يتقوله على الله ، فإن { لو } تقتضي انتفاء مضمون شرطها لانتفاءِ مضمون جوابها .
فحصل من هذا الكلام غرضان مهمان :
أحدهما : يعود إلى ما تقدم أي زيادة إبطال لمزاعم المشركين أن القرآن شعر أو كهانة إبطالاً جامعاً لإِبطال النوعين ، أي ويوضح مخالفة القرآن لهذين النوعين من الكلام أن الآتي به ينسبه إلى وحي الله وما عَلِمْتُم شاعراً ولا كاهناً يزعم أن كلامَه من عند الله .
وثانيهما : إبطال زعم لهم لم يسبق التصريح بإبطاله وهو قول فريق منهم { افتراه } [ يونس : 38 ] ، أي نسبه إلى الله افتراء وتقوّله على الله قال تعالى { أم يقولون تقوَّله بَلْ لا يؤمنون } [ الطور : 33 ] فبين لهم أنه لو افترَى على الله لما أقرّه على ذلك .
ثم إن هذا الغرض يستتبع غرضاً آخر وهو تأييسهم من أن يأتي بقرآن لا يخالف دينَهم ولا يسفه أحلامهم وأصنامهم ، قال تعالى : { قال الذين لا يرجون لقاءَنا إيْتتِ بقرآننٍ غيرِ هذا أو بَدِّلْه } [ يونس : 15 ] . وهذه الجملة معطوفة عطف اعتراض فلك أن تجعل الواو اعتراضية فإنه لا معنى للواو الاعتراضية إلاّ ذلك .
والتقول : نسبة قول لمن لم يقله ، وهو تفعُّل من القول صيغت هذه الصيغةَ الدالة على التكلف لأن الذي ينسب إلى غيره قولاً لم يقله يتكلف ويختلق ذلك الكلام ، ولكونه في معنى كذب عُدي ب ( على ) .
والمعنى : لو كذب علينا فأخبر أنا قلنا قولاً لم نقله إلخ .
و { بعضَ } اسم يدل على مقدار من نوع ما يضاف هو إليه ، وهو هنا منصوب على المفعول به ل { تقوَّل .
و{ الأقاويل } : جمع أقوال الذي هو جمع قول ، أي بعضاً من جنس الأقوال التي هي كثيرة فلكثرتها جيء لها بجمع الجمع الدال على الكثرة ، أي ولو نسب إلينا قليلاً من أقواللٍ كثيرة صادقةٍ يعني لو نسب إلينا شيئاً قليلاً من القرآن لم ننزله لأخذنا منه باليمين ، إلى آخره .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.