معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{۞ٱحۡشُرُواْ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ وَأَزۡوَٰجَهُمۡ وَمَا كَانُواْ يَعۡبُدُونَ} (22)

قوله تعالى : { احشروا الذين ظلموا } أي : أشركوا ، اجمعوهم إلى الموقف للحساب والجزاء ، { وأزواجهم } أشياههم وأتباعهم وأمثالهم . قال قتادة و الكلبي : كل من عمل مثل عملهم ، فأهل الخمر مع أهل الخمر ، وأهل الزنا مع أهل الزنا . وقال الضحاك ومقاتل : وقرناءهم من الشياطين ، كل كافر مع شيطانه في سلسلة . وقال الحسن : وأزواجهم المشركات .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{۞ٱحۡشُرُواْ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ وَأَزۡوَٰجَهُمۡ وَمَا كَانُواْ يَعۡبُدُونَ} (22)

ثم بين - سبحانه - حكمه العادل فيهم ، وصور أحوالهم البائسة تصويرا تقشعر من هوله الجلود ، وحكى جانبا من حسراتهم خلال تساؤلهم فيما بينهم فقال - تعالى - :

{ احشروا الذين . . . } .

قوله - تعالى - : { احشروا } من الحشر بمعنى الجمع مع السوق يقال : حشر القائد جنده حشرا - من باب قتل - إذا جمعهم . والمحشر : المكان الذى يجتمع فيه الخلائق .

والمراد بالذين ظلموا : المشركون الذين أشركوا مع الله - تعالى - آلهة أخرى فى العبادة ومن الآيات التى وردت وأطلق فيها الظلم على الشرك والكفر ، قوله - تعالى - : { إِنَّ الشرك لَظُلْمٌ عَظِيمٌ } وقوله - سبحانه - { والكافرون هُمُ الظالمون } وقد ثبت فى الحديث الصحيح أن النبى صلى الله عليه وسلم فسر الظلم بالشرك فى قوله - تعالى - : { الذين آمَنُواْ وَلَمْ يلبسوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أولئك لَهُمُ الأمن وَهُمْ مُّهْتَدُونَ } والمراد بأزواجهم : أشباههم ، ونظراؤهم وأمثالهم فى الشرك والكفر ، وهذا التفسير مأثور عن عدد من الصحابة والتابعين ، منهم عمر بن الخطاب ، والنعمان بن بشير ، وابن عباس ، وسعيد بن جبير ، وعكرمة ومجاهد ، وأبو العالية .

وقيل المراد بأزواجهم . قرناؤهم من الشياطين ، بأن يحشر كل كافر مع شيطانه .

وقيل المراد بهم : نساؤهم اللائى كن على دينهم ، بأن كن مشركات فى الدنيا كأزواجهن ، ويبدو لنا أن جميع من ذكروا محشور . والعياذ بالله . إلى جهنم . إلا أن تفسير الأزواج هنا : بالأشباه والنظائر والأصناف أولى ، خصوصا وأن إطلاق الأزواج على الأصناف والأشباه جاء كثيرا فى القرآن الكريم ومن ذلك قوله - تعالى - : { سُبْحَانَ الذي خَلَق الأزواج كُلَّهَا مِمَّا تُنبِتُ الأرض وَمِنْ أَنفُسِهِمْ وَمِمَّا لاَ يَعْلَمُونَ } والمراد بما كانوا يعبدونه : الآلهة الباطلة التى كانوا فى الدنيا يعبدونها من دون الله ، كالأصنام والأوثان .

والأمر من الله - تعالى - للملائكة فى هذا اليوم الشديد ، وهو يوم القيامة .

أى : احشروا واجمعوا الذين كانوا مشركين فى الدنيا ، واجمعوا معهم كل من كان على شاكلتهم فى الكفر والضلال ، ثم اجمعوا معهم - أيضا - آلهتهم الباطلة التى عبدوها من دون الله - تعالى - ثم ألقوا بها جميعا فى جهنم ، ليذوقوا سعيرها وحرها .

وفى حشر الآلهة الباطلة مع عابديها ، زيادة تحسؤر وتخجيل لهؤلاء العابدين لأنهم رأوا بأعينهم بطلان وخسران ما كانوا يفعلونه فى الدنيا .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{۞ٱحۡشُرُواْ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ وَأَزۡوَٰجَهُمۡ وَمَا كَانُواْ يَعۡبُدُونَ} (22)

ويأمر الله الملائكة أن تُميزَ الكفار من المؤمنين في الموقف في محشرهم ومنشرهم . ولهذا قال تعالى : { احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ }قال النعمان بن بشير{[24926]} رضي الله عنه ، يعني بأزواجهم أشباههم وأمثالهم . وكذا قال ابن عباس ، وسعيد بن جُبَيْر ، وعِكْرِمة ومجاهد ، والسُّدِّي ، وأبو صالح ، وأبو العالية ، وزيد بن أسلم [ وغيرهم ]{[24927]} .

وقال سفيان الثوري ، عن سمَاك ، عن النعمان بن بشير ، {[24928]} عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه { احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ } قال إخوانهم :{[24929]} .

وقال شريك ، عن سماك ، عن النعمان قال : سمعت عمر يقول { احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ } قال : أشباههم قال : يجيء صاحب الربا مع أصحاب الربا ، وصاحب{[24930]} الزّنا مع أصحاب الزّنا ، وصاحب{[24931]} الخمر مع أصحاب الخمر ، وقال خُصَيْف ، عن مِقْسَم ، عن ابن عباس : { أَزْوَاجَهُمْ } : نساءهم . وهذا غريب ، والمعروف عنه الأول ، كما رواه مجاهد وسعيد بن جبير ، عنه : { أَزْوَاجَهُمْ } : قُرَناءهم{[24932]} .

{ وما كانوا يعبدون من دون الله } أي : من الأصنام والأنداد ، تحشر معهم في أماكنهم . وقوله : { فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ } أي : أرشدوهم إلى طريق جهنم ، وهذا كقوله تعالى : { وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا } [ الإسراء : 97 ] .


[24926]:- (2) في أ: "بشر".
[24927]:- زيادة من ت.
[24928]:- (2) في أ: "بشر".
[24929]:- (3) رواه الطبري في تفسيره (23/31).
[24930]:- في ت، س، أ: "أصحاب".
[24931]:- في س: "قرباؤهم".
[24932]:- في س: "قرباؤهم".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{۞ٱحۡشُرُواْ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ وَأَزۡوَٰجَهُمۡ وَمَا كَانُواْ يَعۡبُدُونَ} (22)

القول في تأويل قوله تعالى : { احْشُرُواْ الّذِينَ ظَلَمُواْ وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُواْ يَعْبُدُونَ * مِن دُونِ اللّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَىَ صِرَاطِ الْجَحِيمِ } .

وفي هذا الكلام متروك استغني بدلالة ما ذُكر عما ترك ، وهو : فيقال : احشروا الذين ظلموا ، ومعنى ذلك اجمعوا الذين كفروا بالله في الدنيا وعصوه وأزواجهم وأشياعهم على ما كانوا عليه من الكفر بالله وما كانوا يعبدون من دون الله من الاَلهة . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن سماك بن حرب ، عن النعمان بن بشير عن عمر بن الخطاب احْشُرُوا الّذِينَ ظَلَمُوا وأزْوَاجَهُمْ قال : ضُرَباءهم .

حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس احْشُرُوا الّذِينَ ظَلَمُوا وأزْوَاجَهُمْ يقول : نظراءهم .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : احْشَرُوا الّذِينَ ظَلَمُوا وأزْوَاجَهُمْ يعني : أتباعهم ، ومن أشبههم من الظلمة .

حدثنا محمد بن المثنى ، قال : حدثنا ابن أبي عديّ ، عن داود ، قال : سألت أبا العالية ، عن قول الله : احْشُرُوا الّذِينَ ظَلَمُوا وأزْوَاجَهُمْ وَما كانُوا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ قال : الذين ظلموا وأشياعهم .

حدثنا ابن المثنى ، قال : ثني عبد الأعلى ، قال : حدثنا داود ، عن أبي العالية ، أنه قال في هذه الاَية احْشُرُوا الّذِينَ ظَلَمُوا وأزْوَاجَهُمْ قال : وأشياعهم .

حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا ابن علية ، قال : حدثنا داود ، عن أبي العالية مثله .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : احْشُرُوا الّذِينَ ظَلَمُوا وأزْوَاجَهُمْ : أي وأشياعهم الكفار مع الكفار .

حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدّيّ ، في قوله : احْشُرُوا الّذِينَ ظَلَمُوا وأزْوَاجَهُمْ قال : وأشباههم .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : احْشُرُوا الّذِينَ ظَلَمُوا وأزْوَاجَهُمْ قال : أزواجهم في الأعمال ، وقرأ : وكُنْتُمْ أزْوَاجا ثَلاثَةً فَأصحَابُ المَيْمَنَةِ ما أصحَابُ المَيْمَنَةِ وأصحَابُ المَشأَمَةِ ما أصحَابُ المَشْأمةِ وَالسّابِقُونَ السّابِقُونَ فالسابقون زوج وأصحاب الميمنة زوج ، وأصحاب الشمال زوج ، قال : كلّ من كان من هذا حشره الله معه . وقرأ : وَإذَا النّفُوسُ زُوّجَتْ قال : زوّجت على الأعمال ، لكل واحد من هؤلاء زوج ، زوّج الله بعض هؤلاء بعضا زوّج أصحاب اليمين أصحاب اليمين ، وأصحاب الْمشأمة أصحابَ المشأمة ، والسابقين السابقين ، قال : فهذا قوله : احْشُرُوا الّذِينَ ظَلَمُوا وأزْوَاجَهُمْقال : أزواج الأعمال التي زوّجهن الله .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : وأزْوَاجَهُمْ قال : أمثالهم .

وقوله : وَما كانُوا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ فاهْدُوهُمْ إلى صِراطِ الجَحِيمِ يقول تعالى ذكره : احشروا هؤلاء المشركين وآلهتهم التي كانوا يعبدونها من دون الله ، فوجّهوهم إلى طريق الجحيم . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة وَما كانُوا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ الأصنام .

حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : فاهدوهمْ إلى صِراطِ الجَحِيمِ يقول : وجّهوهم ، وقيل : إن الجحيم الباب الرابع من أبواب النار .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{۞ٱحۡشُرُواْ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ وَأَزۡوَٰجَهُمۡ وَمَا كَانُواْ يَعۡبُدُونَ} (22)

تخلُّص من الإِنذار بحصول البعث إلى الإِخبار عما يحلّ بهم عقبه إذا ثبتوا على شركهم وإنكارهم البعث والجزاء .

و { احْشُرُوا } أمر ، وهو يقتضي آمراً ، أي ناطقاً به ، فهذا مقول لقول محذوف لظهور أنه لا يصلح للتعلق بشيء مما سبقه ، وحَذْفُ القول من حديث البحر ، وظاهر أنه أمر من قبل الله تعالى للملائكة الموكّلين بالناس يوم الحساب .

والحشر : جمع المتفرقين إلى مكان واحد .

و { الذين ظلموا } : المشركون { إن الشرك لظلم عظيم } [ لقمان : 13 ] .

والأزواج ظاهره أن المراد به حلائلهم وهو تفسير مجاهد والحسن . وروي عن النعمان بن بشير يرويه عن عمر بن الخطاب وتأويله : أنهن الأزواج الموافقات لهم في الإِشراك ، أما من آمن فهن ناجيات من تبعات أزواجهن وهذا كذكر أزواج المؤمنين في قوله تعالى : { هم وأزواجهم في ظلال } [ يس : 56 ] فإن المراد أزواجهم المؤمنات فأطلق حملاً على المقيّد في قوله : { ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم } [ الرعد : 23 ]

وذكر الأزواج إبلاغ في الوعيد والإِنذار لئلا يحسبوا أن النساء المشركات لا تبعة عليهن . وذلك مثل تخصيصهن بالذكر في قوله تعالى : { الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى } في سورة [ البقرة : 178 ] .

وقيل : الأزواج : الأصناف ، أي أشياعهم في الشرك وفروعه قاله قتادة وهو رواية عن عمر بن الخطاب وابن عباس .

وعن الضحاك : الأزواج المقارنون لهم من الشياطين .

وضمير { يَعْبُدُونَ } عائد إلى { الذين ظلموا وأزواجَهُم } . ومَا صدَقُ { ما } غير العقلاء ، فأما العقلاء فلا تزِرُ وازرة وزر أخرى .