اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{۞ٱحۡشُرُواْ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ وَأَزۡوَٰجَهُمۡ وَمَا كَانُواْ يَعۡبُدُونَ} (22)

قوله : { احشروا الذين ظَلَمُواْ } هذا من كلام الملائكة والمراد اجْمَعُوا الذين أشركوا إلى الموقف للحساب والجزاء .

فإن قيل : ما معنى احشروا مع أنهم قد حشروا من قبل وحَضَروا مَحْفِل القيامة وقالوا : هذا يوم الدين وقالت الملائكة لهم : بل هذا يوم الفصل ؟

أجاب القاضي{[46889]} عنه وقال : المراد احشروهم إلى دار الجزاء وهي النار ، ولذلك قال بعده : «فَاهْدُوهُمْ إلى صِرَاطِ الجَحِيم » «فَاهْدُوهُمْ إلى صِرَاطِ الجَحِيم » أي دُلُّوهُمْ على ذلك الطريق ، ثم سأل نفسه وقال : كيف يصح ذلك وقد قال بعده{[46889]} : «وَقِفُوهُمْ إنَّهُمْ مَسؤُولُونَ » ومعلوم أن ( مَ ){[2]} حْشَرَهُمْ إلى الجحيم إنما يكون بعد المسألة وأجاب بأنه ليس في العطف بحرف الواو ترتيب ولا يمتنع أن يقال احْشُرُوهُمْ وقِفُوهم مع أنا بعقولنا نعلم أن الوقوف كان قبل الحشر . قال ابن الخطيب : وعندي فيه وجه آخر وهو أن يقال : إنهم إذا قاموا من قبورهم لم يَبْعُدْ أن يقفوا هناك لحيرَةٍ تَلْحَقُهُمْ لمعاينتهم أهوالَ القيامة ، ثم إن الله تعالى يقول للملائكة : احشروا الذين ظلموا واهدوهم إلى صراط الجحيم ، أي سُوقُوهم إلى طريق جهنم وقفوهم هناك ويحصل السؤال هناك ثُمّ ( مِنْ ) هنا ( ك ){[3]} يساقون إلى النار .

قوله : { وَأَزْوَاجَهُمْ } العامة على نصب وفيه وجهان :

أحدهما : العطف على الموصول .

والثاني : أنه مفعول معه{[4]} . قال أبو البقاء : وهو في المعنى أقوى{[5]} ، وإنما قال في المعنى لأنه في الصناعة ضعيف لأنه أمكن العطف فلا يُعْدَلُ عنه{[6]} ، وقرأ عيسَى بْنُ سُلَيْمَانَ الحِجَازيّ{[7]} بالرفع عطفاً على ضمير «ظَلموا »{[8]} . وهو ضعيف لعدم العامل{[9]} ، وقوله : { وَمَا كَانُواْ يَعْبُدُونَ } لا يجوز فيه هذا لأنه لا ينسب إليهم ظلم إن لم يرد{[10]} بهم الشياطين وإن أريد بهم ذلك جاز فيه الرفع أيضاً على ما تقدم . {[11]}

قوله : { إِنَّهُمْ مَّسْئُولُونَ } العامة على الكسر على الاستئناف المفيد{[12]} للعلة ، وقرئ بفتحها{[13]} على حذف لام العلة أي قِفُوهُمْ لأجْل سُؤَال الله إيَّاهم .

فصل

المراد بالأزواج أشباههم وأمثالهم وأتباعهم . قال قتادة والكلبي : كل من عمل مثل عملهم فأهل الخمر مع أهل الخمر وأهل الزنا مع أهل الزنا واليهوديّ مع اليهوديّ والنَّصْرَانيّ مع النصراني لقوله تعالى :

{ وَكُنتُمْ أَزْوَاجاً ثَلاَثَةً } [ الواقعة : 7 ] أي أشكالاً وأشباهاً ، وتقول «عندي من هذا أزواج » أي أمثال ، وتقول : زَوْجَان من الخُفِّ لأن كل واحد منهما نظير الآخر وكذلك الرجل والمرأة يُسَمَّيَانِ زَوْجَيْنِ متشابهين ، وكذلك العدد الزوج{[14]} ، وقال الضحاك ومقاتل قرناؤهم من السوء الشياطين كل كافر مع شيطانه في سلسلة . وقال الحسن : أزواجهم : المشركات{[15]} ، وما كانوا يعبدون من دون الله في الدنيا يعني الأوثان والطواغيت . وقال مقاتل : يعني إبليسَ وجنودَه لقوله : «ألاَّ تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ » . «فاهْدُوهم إٍلى صراط الجحيم » ، قال ابن عباس : دلوهم إلى طريق{[16]} النَّارِ . وقال ابن كيسان والأَصَمّ{[17]} : قدموهم{[18]} والعرب تسمي السابق هادياً . قال الواحدي{[19]} : وهذا وهم لأنه يقال هَدَى إذا تقدم ومنه الهَادِيَةُ والهَوَادِي ، وهَادِيَاتُ الوحش ، ولا يقال هَدَى بمعنى قدم .


[2]:ذكره السيوطي في "الدر المنثور" (6/605) وعزاه إلى عبد بن حميد وابن أبي حاتم.
[3]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (12/612، 613) عن ابن عباس وأبي عبد الرحمن السلمي والضحاك. وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (/605) عن أبي عبد الرحمن السلمي وزاد نسبته إلى الفريابي وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم.
[4]:أخرجه البخاري (4/301)، كتاب: فضل ليلة القدر، باب: التماس ليلة القدر في السبع الأواخر رقم (2015)، ومسلم (2/822)، كتاب: الصيام، باب: فضل ليلة القدر والحث على طلبها... رقم (205- 1165).
[5]:تقدم.
[6]:سقط من: ب.
[7]:تقدم.
[8]:ينظر: تفسير القرطبي (20/93).
[9]:سقط من: ب.
[10]:الجامع لأحكام القرآن 20/91.
[11]:سقط في ب.
[12]:سقط في ب.
[13]:ستأتي في "المؤمنون" 1 وينظر: شرح الطيبة 4/ 145.
[14]:قال سيبويه في الكتاب 3/265 وزعم من يوثق به: أنه سمع من العرب من يقول: "ثلاثة أربعه" طرح همزة أربعه على الهاء ففتحها، ولم يحولها تاء لأنه جعلها ساكتة والساكن لا يتغير في الإدراج، تقول: اضرب، ثم تقول: اضرب زيدا.
[15]:ينظر: الكتاب 4/ 166.
[16]:ينظر: الدر المصون 2/35.
[17]:ينظر: السبعة 200، والكشف 1/334، والحجة، 3/6 والبحر المحيط 2/389، والدر المصون 2/5.
[18]:قال سيبويه 3/25 "فإن قلت: ما بالي أقول: واحد اثنان، فأشم الواحد، ولا يكون ذلك في هذه الحروف فلأن الواحد اسم متمكن، وليس كالصوت، وليست هذه الحروف مما يدرج وليس أصلها الإدراج...".
[19]:ينظر: المشكل 1/ 123.
[46889]:سبق التعريف به أنه كبير المعتزلة.