وقوله - تعالى - : { أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَاباً مِّن قَبْلِهِ فَهُم بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ } إضراب عن نفى أن يكون لهم فيما ادعوه علم عن طريق العقل ، إلى إبطال أن يكون لهم علم من جهة النقل . و { أَمْ } بمعنى بل والهمزة . والاستفهام للإِنكار والتوبيخ ، أى : بل أأعطيناهم كتابا من قبل القرآن ، فيه ما يشهد بصحة أقوالهم فهم بهذالكتاب مستمسكون ؟ كلا إننا لم نعطهم شيا من ذلك .
( أم آتيناهم كتاباً من قبله فهم به مستمسكون ? ) . .
يستندون إليه في دعواهم ، ويستندون إليه في عبادتهم ، ويستمسكون بما فيه من حقائق ، ويرتكنون إلى ما عندهم فيه من دليل ! !
وهكذا يأخذ عليهم الطريق من هذه الناحية ؛ ويوحي إليهم كذلك أن العقائد لا يخبط فيها خبط عشواء ، ولا يرتكن فيها إلى ظن أو وهم . إنما تستسقى من كتاب من عند الله يستمسك به من يؤتاه .
يقول تعالى منكرا على المشركين في عبادتهم غير الله بلا برهان ولا دليل ولا حجة : { أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا مِنْ قَبْلِهِ } أي : من قبل شركهم ، { فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ } أي : فيما هم فيه ، أي : ليس الأمر كذلك ، كقوله : { أَمْ أَنزلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِمَا كَانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ } [ الروم : 35 ] أي : لم يكن ذلك .
إضراب انتقالي ، عُطف على جملةِ { ما لهم بذلك من علم } [ الزخرف : 20 ] فبعد أن نفى أن يكون قولُهم { لو شاء الرحمان ما عبدناهم } [ الزخرف : 20 ] مستنداً إلى حجة العقل ، انتقل إلى نفي أن يكون مستنداً إلى حجة النقل عن إخبار العالِم بحقائق الأشياء التي هي من شؤونه .
واجتلب للإضراب حرف { أم } دون ( بَل ) لما تؤذن به { أم } من استفهام بعدها ، وهو إنكاري . والمعنى : وما آتيناهم كتاباً من قبله . وضمير { من قبله } عائد إلى القرآن المذكور في أوّل السورة . وفي قوله : { وإنه في أم الكتاب لدينا لعليٌّ حكيمٌ } [ الزخرف : 4 ] . وفي هذا ثناء ثالث على القرآن ضمني لاقتضائه أن القرآن لا يأتي إلا بالحق الذي يُستمسك به .
وهذا تمهيد للتخلص إلى قوله تعالى : { بل قالوا إنّا وجدنا آباءنا على أمةٍ } [ الزخرف : 22 ] .
و { مِن } مزيدة لتوكيد معنى ( قبْل ) . والضمير المضاف إليه ( قَبْل ) ضمير القرآن ولم يتقدم له معاد في اللّفظ ولكنه ظاهر من دلالة قوله : { كتاباً } .
و { مستمسكون } مبالغة في ( ممسكون ) يقال : أمسك بالشيء ، إذا شدّ عليه يده ، وهو مستعمل مجازاً في معنى الثبات على الشيء كقوله تعالى : { فاستمسك بالذي أوحي إليك } [ الزخرف : 43 ] .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{كتابا من قبله} من قبل هذا القرآن بأن يعبدوا غيره.
{فهم به مستمسكون}، فإنا لم نعطهم...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
وقوله:"أمْ آتَيْناهُمْ كِتابا مِنْ قَبْلِهِ" يقول تعالى ذكره ما آتينا هؤلاء المتخرّصين القائلين لو شاء الرحمن ما عبدنا الآلهة كتابا بحقيقة ما يقولون من ذلك، من قبل هذا القرآن الذي أنزلناه إليك يا محمد،
"فهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ "يقول: فهم بذلك الكتاب الذي جاءهم من عندي من قبل هذا القرآن، مستمسكون يعملون به، ويدينون بما فيه، ويحتجون به عليك.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
يُسفّههم في قولهم لأنهم قوم لا يؤمنون بالرسل والكتب، وتلك أسباب العلم، وليست لهم تلك الأسباب لما لا يؤمنون بها، ولا يصدّقون...
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
"أم آتيناهم كتابا" والمعنى: التقريع لهم على خطئهم بلفظ الاستفهام، والتقدير: أهذا الذي ذكروه شيء تخرصوه وافتروه؟
"أم آتيناهم كتابا من قبله فهم به مستمسكون"؟! فاذا لم يمكنهم ادعاء أن الله أنزل بذلك كتابا، علم أنه من تخرصهم...
القول الباطل الذي حكاه الله تعالى عنهم عرفوا صحته بالعقل أو بالنقل، أما إثباته بالعقل فهو باطل لقوله: {ما لهم بذلك من علم إن هم إلا يخرصون} وأما إثباته بالنقل، فهو أيضا باطل لقوله: {أم ءاتيناهم كتابا من قبله فهم به مستمسكون}، والضمير في قوله {من قبله} للقرآن أو للرسول، والمعنى أنهم هل وجدوا ذلك الباطل في كتاب منزل قبل القرآن حتى جاز لهم أن يعولوا عليه وأن يتمسكوا به؟ والمقصود منه ذكره في معرض الإنكار، ولما ثبت أنه لم يدل عليه لا دليل عقلي ولا دليل نقلي، وجب أن يكون القول به باطلا...
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
هكذا يأخذ عليهم الطريق من هذه الناحية؛ ويوحي إليهم كذلك أن العقائد لا يخبط فيها خبط عشواء، ولا يرتكن فيها إلى ظن أو وهم، إنما تستسقى من كتاب من عند الله يستمسك به من يؤتاه...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
واجتلب للإضراب حرف {أم} دون (بَل) لما تؤذن به {أم} من استفهام بعدها، وهو إنكاري. والمعنى: وما آتيناهم كتاباً من قبله.
وضمير {من قبله} عائد إلى القرآن المذكور في أوّل السورة. وفي قوله: {وإنه في أم الكتاب لدينا لعليٌّ حكيمٌ} [الزخرف: 4]. وفي هذا ثناء ثالث على القرآن ضمني لاقتضائه أن القرآن لا يأتي إلا بالحق الذي يُستمسك به.
وهذا تمهيد للتخلص إلى قوله تعالى: {بل قالوا إنّا وجدنا آباءنا على أمةٍ} [الزخرف: 22].
و {مِن} مزيدة لتوكيد معنى (قبْل). والضمير المضاف إليه (قَبْل) ضمير القرآن ولم يتقدم له معاد في اللّفظ، ولكنه ظاهر من دلالة قوله: {كتاباً}.
و {مستمسكون} مبالغة في (ممسكون) يقال: أمسك بالشيء، إذا شدّ عليه يده، وهو مستعمل مجازاً في معنى الثبات على الشيء كقوله تعالى: {فاستمسك بالذي أوحي إليك} [الزخرف: 43]
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.