ثم بين - سبحانه - مصيرهم السئ بسبب انحرافهم عن الحق فقال - تعالى - { أولئك الذين لَعَنَهُمُ الله } .
أى : أولئك الذين استحوذ عليهم الشيطان ، فأيدوا المشركين بالقول والعمل وسجدوا لأصنامهم ، وزكوا أفعالهم . . . أولئك الذين هذه صفاتهم { لَعَنَهُمُ الله } أى : أبعدهم عن رحمته وطردهم وأخزاهم بسبب كذبهم فى حقدهم وإيثارهم عبادة الشيطان على طاعة الرحمن .
{ وَمَن يَلْعَنِ الله فَلَن تَجِدَ لَهُ نَصِيراً } أى ومن يلعنه الله ويبعده عن رحمته فلن تجد له ناصرا ينصره ، أو شفيعا يشفع له .
واسم الإِشارة { أولئك } مبتدأ . والموصول وصلته خبر . والجملة مستأنفة لبيان حالهم . وإظهار سوء مآلهم .
والإِتيان باسم الإِشارة هنا فى نهاية البلاغة ، لأن من بلغ وصف حاله هذا المبلغ صار جديراً بأن يشار إليه بكل ازدراء واحتقار .
وفى قوله { وَمَن يَلْعَنِ الله فَلَن تَجِدَ لَهُ نَصِيراً } بيان لحرمانهم ثمرة استنصارهم بمشركى قريش ، وإيماء إلى وعد المؤمنين بأنهم المنصورون ، لأنهم هم المقربون عند الله ، ومن يقربه الله فلن تجد له خاذلا .
هذا ، وتحالف أولئك اليهود مع المشركين ، وتفضيلهم إياهم على المؤمنين - كما حكته الآية الكريمة - قد شهد بقبحه واحد من اليهود هو الدكتور إسرائيل ولفنسون . فقد قال فى كتابه " تاريخ اليهود فى جزيرة العرب " معلقا على هذه القصة :
وكان من واجب هؤلاء اليهود ألا يتورطوا فى هذا الخطأ الفاحش ، وألا يصرحوا أمام زعماء قريش بأن عبادة الأصنام أفضل من التوحيد الإِسلامى ولو أدى بهم الأمر إلى عدم إجابة مطلبهم ، لأن بنى إسرائيل الذين كانوا لمدة قرون حاملى راية التوحيد فى العالم بين الأمم الوثنية باسم الأباء الأقدمين ، والذين نكبوا بنكبات لا تحصى من تقتيل واضطهاد بسبب إيمانهم بإله واحد فى عصور شتى من الأدوار التاريخية .
كان من واجبهم أن يضحوا بحياتهم وكل عزيز عليهم فى سبيل أن يخذلوا المشركين ، هذا فضلا عن أنهم بالتجائهم إلى عبدة الأوثان ، إنما كانوا يحاربون أنفسهم ، ويناقضون تعاليم التوراة التى توصيهم بالنفور من عبدة الأصنام ، والوقوف منهم موقف الخصومة .
إنها جبلة واحدة ، وخطة واحدة ، وغاية واحدة . . هي التي من أجلها يجبههم الله باللعنة والطرد ، وفقدان النصير . والذي يفقد نصرة الله فما له من ناصر وما له من معين ولو كان أهل الأرض كلهم له ناصر وكلهم له معين :
( أولئك الذين لعنهم الله . ومن يلعن الله فلن تجد له نصيرا ) . .
ولقد يهولنا اليوم أن تجد دول الغرب كلها نصيرا لليهود . فنسأل : وأين وعد الله بأنه لعنهم ، وأن من يلعن الله فلن تجد له نصيرا ؟
ولكن الناصر الحقيقي ليس هو الناس . ليس هو الدول . ولو كانت تملك القنابل الأيدروجينية والصواريخ إنما الناصر الحق هو الله . القاهر فوق عباده : ومن هؤلاء العباد من يملكون القنابل الأيدروجينية والصواريخ !
والله ناصر من ينصره . . ( ولينصرن الله من ينصره ) والله معين من يؤمن به حق الإيمان ، ويتبع منهجه حق الاتباع ؛ ويتحاكم إلى منهجه في رضى وفي تسليم . .
ولقد كان الله - سبحانه - يخاطب بهذا الكلام أمة مؤمنة به ، متبعة لمنهجه ، محتكمة إلى شريعته . وكان يهون من شأن عدوها - اليهود - وناصريهم . وكان يعد المسلمين النصر عليهم لأنهم - اليهود - لا نصير لهم . وقد حقق الله لهم وعده الذى لا يناله إلا المؤمنون حقا . والذي لا يتحقق إلا على أيدي العصبة المؤمنة حين تقوم .
فلا يهولننا ما نلقاه من نصرة الملحدين والمشركين والصليبيين لليهود . فهم في كل زمان ينصرونهم على الإسلام والمسلمين . . فليست هذه هي النصرة . . ولكن كذلك لا يخدعننا هذا . فإنما يتحقق هذا الأمر للمسلمين ! ويوم يكونون مسلمين !
وليحاول المسلمون أن يجربوا - مرة واحدة - أن يكونوا مسلمين . ثم يروا بأعينهم إن كان يبقى لليهود نصير . أو أن ينفعهم هذا النصير !
{ أُولَئِك الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا ]{[7754]} } إلى قوله عز وجل : { وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا } .
وهذا لعن لهم ، وإخبار بأنهم لا ناصر لهم في الدنيا ولا في الآخرة ، لأنهم إنما ذهبوا يستنصرون بالمشركين ، وإنما قالوا لهم ذلك ليستميلوهم إلى نصرتهم ، وقد أجابوهم ، وجاؤوا معهم يوم الأحزاب ، حتى حفر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه حول المدينة الخندق ، فكفى الله شرهم { وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا } [ الأحزاب : 25 ] .
{ أولئك } هم المراد من بني إسرائيل ، فمن قال : كانوا جماعة فذلك مستقيم لفظاً ومعنى ، ومن قال : هو كعب أو حيي ، فعبر عنه بلفظ الجمع ، لأنه كان متبوعاً ، وكان قوله مقترناً بقول جماعة .
و { لعنهم } معناه : أبعدهم من خيره ومقتهم ، ومن يفعل الله ذلك به ويخذله فلا ناصر له من المخلوقين ، وإن نصرته طائفة ، فنصرتها كلا نصرة ، إذ لا تغني عنه شيئاً .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.