( إنه كان فريق من عبادي يقولون : ربنا آمنا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الراحمين . فاتخذتموهم سخريا حتى أنسوكم ذكري ، وكنتم منهم تضحكون ) . .
وكذلك لم يكن جرمكم أنكم كفرتم فحسب ، واقتصرتم على أنفسكم بالكفر وهو جرم عظيم ؛ إنما بلغ بكم السفه والتوقح أن تسخروا ممن آمنوا ، وراحوا يرجون غفران ربهم ورحمته ؛ وأن تضحكوا منهم حتى ليشغلكم هذا الهذر عن ذكر الله ، ويباعد بينكم وبين التدبر والتفكر في دلائل الإيمان المبثوثة في صفحات الوجود . . فانظروا اليوم أين مكانكم ومكان أولئك الذين كنتم تسخرون منهم وتضحكون :
وقوله : إنّي جَزَيْتُهُمْ اليَوْمَ بِمَا صَبروا يقول تعالى ذكره : إني أيّها المشركون بالله المخّلدون في النار ، جَزَيت الذين اتخذتموهم في الدنيا سخريّا من أهل الإيمان بي ، وكنتم منهم تضحكون . اليومَ بما صَبَرُوا على ما كانوا يلقَون بينكم من أذى سخريتكم وضحككم منهم في الدنيا . إنّهُمْ هُمُ الفَائِزُونَ .
اختلفت القرّاء في قراءة : «إنّهُمْ » فقرأته عامة قرّاء أهل المدينة والبصرة وبعض أهل الكوفة : أنّهُمْ ، بفتح الألف من «أَنهم » بمعنى : جزيتهم هذا . ف«أنّ » في قراءة هؤلاء : في موضع نصب بوقوع قوله : «جزيتهم » عليها ، لأن معنى الكلام عندهم : إني جزيتهم اليوم الفوز بالجنة . وقد يحتمل النصب من وجه آخر ، وهو أن يكون موجّها معناه إلى : إني جزيتهم اليوم بما صبروا ، لأنهم هم الفائزون بما صبروا في الدنيا على ما لَقُوا في ذات الله . وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفة : «إنّي » بكسر الألف منها ، بمعنى الابتداء ، وقالوا : ذلك ابتداء من الله مدحهم .
وأولى القراءتين في ذلك بالصواب قراءة من قرأ بكسر الألف ، لأن قوله : «جزيتهم » ، قد عمل في الهاء والميم ، والجزاء إنما يعمل في منصوبين ، وإذا عمل في الهاء والميم لم يكن له العمل في «أن » فيصير عاملاً في ثلاثة إلا أن يُنْوَى به التكرير ، فيكون نصب «أَنّ » حينئذٍ بفعل مضمر لا بقوله : «جزيتهم » ، وإن هي نصبت بإضمار لام لم يكن له أيضا كبير معنى لأن جزاء الله عباده المؤمنين بالجنة ، إنما هو على ما سَلَف من صالح أعمالهم في الدنيا وجزاؤه إياهم وذلك في الاَخرة هو الفوز ، فلا معنى لأن يَشْرُط لهم الفوز بالأعمال ثم يخبر أنهم إنما فازوا لأنهم هم الفائزون .
فتأويل الكلام إذ كان الصواب من القراءة ما ذكرنا : إني جزيتهم اليوم الجنة بما صبروا في الدنيا على أذاكم بها ، في أنهم اليوم هم الفائزون بالنعيم الدائم والكرامة الباقية أبدا ، بما عملوا من صالحات الأعمال في الدنيا ولقوا في طلب رضاي من المكاره فيها . )
وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم وابن عامر «أنهم هم الفائزون » بفتح الألف ، ف { جزيتهم } عامل في «أن » ، ويجوز أن يعمل في مفعول محذوف ويكون التقدير لأنهم ، وقرأ حمزة والكسائي وخارجة عن نافع «إنهم » بكسر الألف فالمفعول الثاني ل «جزية » مقدر تقديره الجنة أو الرضوان ، و { الفائزون } المنتهون إلى غايتهم التي كانت أملهم ، ومعنى الفوز النجاة من هلكة إلى نعمة .
جملة { إني جزيتهم } خبر { إن } الأولى لزيادة التأكيد . وتقدم نظيره في قوله { إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا } في سورة الكهف .
وقوله : { أنهم هم الفائزون } قرأه الجمهور بفتح همزة ( أن ) على معنى المصدرية والتأكيد ، أي جزيتهم بأنهم . وقرأه حمزة والكسائي بكسر همزة ( إن ) على التأكيد فقط فتكون استئنافاً بيانياً للجزاء .
وضمير الفصل للاختصاص ، أي هم الفائزون لا أنتم .
وقوله : { بما صبروا } إدماج للتنويه بالصبر ، والتنبيه على أن سخريتهم بهم كانت سبباً في صبرهم الذي أكسبهم الجزاء . وفي ذلك زيادة تلهيف للمخاطبين بأن كانوا هم السبب في ضر أنفسهم ونفع من كانوا يعدّونهم أعداءهم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.