معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{مَا سَمِعۡنَا بِهَٰذَا فِي ٱلۡمِلَّةِ ٱلۡأٓخِرَةِ إِنۡ هَٰذَآ إِلَّا ٱخۡتِلَٰقٌ} (7)

قوله تعالى :{ ما سمعنا بهذا } أي بهذا الذي يقوله محمد من التوحيد ، { في الملة الآخرة } قال ابن عباس ، و الكلبي ، و مقاتل : يعنون في النصرانية ، لأنها آخر الملل وهم لا يوحدون ، بل يقولون ثالث ثلاثة . وقال مجاهد و قتادة : يعنون ملة قريش ودينهم الذي هم عليه . { إن هذا إلا اختلاق } كذب وافتعال .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{مَا سَمِعۡنَا بِهَٰذَا فِي ٱلۡمِلَّةِ ٱلۡأٓخِرَةِ إِنۡ هَٰذَآ إِلَّا ٱخۡتِلَٰقٌ} (7)

ثم يضيفون إلى ذلك قولهم : { مَا سَمِعْنَا بهذا فِى الملة الآخرة . . . }

أى : ما سمعنا بهذا الدين الذى يدعونا إليه محمد صلى الله عليه وسلم فى ملة العرب التى أدركنا عليها آباءنا ، أو ما سمعنا بهذا الذى يقوله محمد صلى الله عليه وسلم فى المِلَّة الآخرة ، وهى ملة عيسى - عليه السلام - فإن أتباعه يقولون بالتثليث ، ويقولون بأنه الدين الذى جاء به عيسى .

وعلى هذين القولين يكون قوله { فِى الملة الآخرة } متعلق بسمعنا .

ويصح أن يكون المعنى : ما سمعنا بهذا الذى يدعونا إليه محمد صلى الله عليه وسلم كانئا فى الملة التى تكون فى آخر الزمان ، والتى حدثنا عنها الكهان وأهل الكتاب . وعلى هذا الرأى يكون قوله { فِى الملة الآخرة } حالا من اسم الإِشارة وليس متعلقا بسمعنا .

ثم أكدوا نفيهم لعدم سماعهم لما جاءهم به الرسول صلى الله عليه وسلم بقولهم : { إِنْ هذا إِلاَّ اختلاق } أى : ما سمعنا شيئا مما يقوله ، وما يقوله ما هو إلا كذب وتخرص اختلقه من عند نفسه ، دون أن يسبقه إليه أحد .

يقال : اختلاق فلان هذا القول ، إذا افتراه واصطنعه واخترعه من عند نفسه ، دون أن يكون له أصل من الواقع .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{مَا سَمِعۡنَا بِهَٰذَا فِي ٱلۡمِلَّةِ ٱلۡأٓخِرَةِ إِنۡ هَٰذَآ إِلَّا ٱخۡتِلَٰقٌ} (7)

وقوله : ( ما سَمِعْنا بِهَذَا فِي المِلّةِ الاَخِرَةِ ) : اختلف أهل التأويل في تأويله ، فقال بعضهم : معناه : ما سمعنا بهذا الذي يدعونا إليه محمد من البراءة من جميع الاَلهة إلا من الله تعالى ذكره ، وبهذا الكتاب الذي جاء به في الملّة النصرانية ، قالوا : وهي الملة الاَخرة . ذكر من قال ذلك :

حدثني عليّ ، قال : حدثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : ( ما سَمِعْنا بِهَذَا فِي المِلّةِ الاَخِرَة ) : ِيقول : النصرانية .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : ( ما سَمِعْنا بِهَذَا فِي المِلّةِ الاَخِرَةِ ) : يعني النصرانية ، فقالوا : لو كان هذا القرآن حقا أخبرتنا به النصارى .

حدثني محمد بن إسحاق ، قال : حدثنا يحيى بن معين ، قال : حدثنا ابن عُيينة ، عن ابن أبي لبيد ، عن القُرَظِي في قوله : ( ما سَمِعْنا بِهَذَا فِي المِلّةِ الاَخِرَةِ ) ، قال : ملة عيسى .

حدثني محمد بن الحسين ، قلا : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط عن السديّ ما سَمِعْنا بِهَذَا فِي المِلّةِ الاَخِرَةِ النصرانية .

وقال آخرون : بل عَنَوا بذلك : ما سمعنا بهذا في ديننا دين قريش . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا حكام ، عن عنبسة ، عن محمد بن عبد الرحمن ، عن القاسم بن أبي بَزّة ، عن مجاهد ، في قوله : ( ما سَمِعْنا بِهَذَا فِي المِلّةِ الاَخِرَةِ ) ، قال : ملة قريش .

حدثني محمد بن عمرو ، قا : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : ( فِي المِلّةِ الاَخِرَةِ ) : قال : ملة قريش .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : ( ما سَمِعْنا بِهَذَا فِي المِلّةِ الاَخِرَةِ ) : أي في ديننا هذا ، ولا في زماننا قطّ .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( ما سَمِعْنا بِهَذَا فِي المِلّةِ الاَخِرَةِ ) ، قال : الملة الاَخرة : الدين الاَخر . قال : والملة الدين .

وقيل : إن الملأ الذين انطلقوا نفر من مشيخة قريش ، منهم أبو جهل ، والعاص بن وائل ، والأسود بن عبد يغوث . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ أن أناسا من قُرَيش اجتمعوا ، فيهم أبو جهل بن هشام ، والعاص بن وائل ، والأسود بن المطلب ، والأسود بن عبد يغوث في نفر من مشيخة قريش ، فقال بعضهم لبعض : انطلقوا بنا إلى أبي طالب ، فلنكلمه فيه ، فلينصفنا منه ، فيأمره فليكفّ عن شتم آلهتنا ، ونَدَعَه وإلهه الذي يَعبُد ، فإنا نخاف أن يموت هذا الشيخ ، فيكون منا شيء ، فتعيرنا العرب فيقولون : تركوه حتى إذا مات عمه تناولوه ، قال : فبعثوا رجلاً منهم يُدعى المطّلب ، فاستأذن لهم على أبي طالب ، فقال : هؤلاء مشيخة قومك وسَرَواتهم يستأذنون عليك ، قال : أدخلهم فلما دخلوا عليه قالوا : يا أبا طالب أنت كبيرنا وسيدنا ، فأنصفنا من ابن أخيك ، فمُره فليكفّ عن شتم آلهتنا ، ونَدَعَه وإلهه قال : فبعث إليه أبو طالب فلما دخل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : يا ابن أخي هؤلاء مشيخة قومك وسَرَواتهم ، وقد سألوك النّصف أن تكفّ عن شتم آلهتهم ، ويَدَعُوك وإلهك قال : فقال : «أيْ عَمّ أوَلا أدْعُوهُمْ إلى ما هُوَ خَيْرٌ لَهُمْ مِنْها ؟ » قال : وإلام تدعوهم ؟ قال : «أدعوهم إلى أنْ يَتَكَلّمُوا بِكَلِمَةٍ تَدِينُ لَهُمْ بِها العَرَبُ ويَمْلِكُونَ بِها العَجَمَ » قال : فقال أبو جهل من بين القوم : ما هي وأبيك لنعطينكها وعشر أمثالها ، قال : «تَقُولونَ لا إلَهَ إلاّ اللّهُ » . قال : فنفروا وقالوا : سلنا غير هذه ، قال : «لَوْ جِئْتُمُونِي بالشّمْسِ حتى تَضَعُوها فِي يَدِي ما سأَلْتُكُمْ غَيَرها » قال : فغضبوا وقاموا من عنده غضابا وقالوا : والله لنشتمنك والذي يأمرك بهذا وَانْطَلَقَ المَلأُ مِنْهُمْ أنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا على آلِهَتِكُمْ إنّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ . . . إلى قوله : إلاّ اخْتِلاقٌ وأقبل على عمه ، فقال له عمه : يا ابن أخي ما شططت عليهم ، فأقبل على عمه فدعاه ، فقال : «قلْ كَلِمَةً أشْهَدُ لَكَ بِها يَوْمَ القيامَةِ ، تَقُولُ : لا إلَهَ إلاّ اللّهُ » ، فقال : لولا أن تعيبكم بها العرب يقولون جزع من الموت لأعطيتكها ، ولكن على ملّة الأشياخ قال : فنزلت هذه الاَية إنّكَ لا تَهْدِي مَنْ أحْبَبْتَ وَلَكِنّ اللّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : ( وَانْطَلَقَ المَلأُ مِنْهُمْ أنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا على آلهَتِكُمْ إنّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ ) قال : نزلت حين انطلق أشراف قريش إلى أبي طالب فكلموه في النبيّ صلى الله عليه وسلم .

وقوله : إنْ هَذَا إلاّ اخْتِلاقٌ يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل هؤلاء المشركين في القرآن : ما هذا القرآن إلا اختلاق : أي كذب اختلقه محمد وتخرّصه . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا عليّ ، قال : حدثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : ( إنْ هَذَا إلاّ اخْتِلاقٌ ) : يقول : تخريص .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : ( إنْ هَذَا إلاّ اخْتِلاقٌ ) ، قال : كذب .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا حكام ، عن عنبسة ، عن محمد بن عبد الرحمن ، عن القاسم بن أبي بَزّة ، عن مجاهد : ( إنْ هَذَا إلاّ اخْتِلاقٌ ) : يقول : كذب .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : ( إنْ هَذَا إلاّ اخْتِلاقٌ ) : إلا شيء تخْلُقه .

حدثنا محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : ( إنْ هَذَا إلاّ اخْتِلاقٌ ) : اختلقه محمد صلى الله عليه وسلم .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( إنْ هَذَا إلاّ اخْتلاقٌ ) ، قالوا : إن هذا إلا كذب .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{مَا سَمِعۡنَا بِهَٰذَا فِي ٱلۡمِلَّةِ ٱلۡأٓخِرَةِ إِنۡ هَٰذَآ إِلَّا ٱخۡتِلَٰقٌ} (7)

{ ما سمعنا بهذا } بالذي يقوله . { في الملة الآخرة } في الملة التي أدركنا عليها آباءنا ، أو في ملة عيسى عليه الصلاة والسلام التي هي آخر الملل فإن النصارى يثلثون . ويجوز أن يكون حالا من هذا أي سمعنا من أهل الكتاب ولا الكهان بالتوحيد كائنا في الملة المترقبة . { إن هذا إلا اختلاق } كذب اختلقه .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{مَا سَمِعۡنَا بِهَٰذَا فِي ٱلۡمِلَّةِ ٱلۡأٓخِرَةِ إِنۡ هَٰذَآ إِلَّا ٱخۡتِلَٰقٌ} (7)

وقوله : { ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة } من كلام المَلأ . والإِشارة إلى ما أشير إليه بقولهم : { إن هذا لشيء يراد } ، أي هذا القول وهو { أجعَلَ الآلهة إلها واحداً } [ ص : 5 ] .

والجملة مستأنفة أو مبينة لجملة { إنَّ هذا لشيءٌ يُرادُ } لأن عدم سماع مثله يبين أنه شيء مصطنع مبتدع . وإعادة اسم الإِشارة من وضع الظاهر موضع المضمر لقصد زيادة تمييزه . وفي قوله : { بهذا } تقدير مضاف ، أي بمثل هذا الذي يقوله . ونفي السماع هنا خبر مستعمل كناية عن الاستبعاد والاتّهام بالكذب .

و { الملة } : الدين ، قال تعالى : { ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم } في سورة [ البقرة : 120 ] ، وقال : { إني تركت ملة قوم لا يؤمنون باللَّه وهم بالآخرة هم كافرون واتبعت ملة آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب } في سورة [ يوسف : 37 - 38 ] .

( و { الآخِرة } : تأنيث الآخِر وهو الذي يكون بعد مضي مدة تقررت فيها أمثاله كقوله تعالى : { ثم اللَّه ينشىء النشأة الآخرة } [ العنكبوت : 20 ] .

والمجرور من قوله : { في الملة الآخرةِ } يجوز أن يكون ظرفاً مستقراً في موضع الحال من اسم الإِشارة بياناً للمقصود من الإِشارة متعلقاً بفعل { سَمِعْنَا } . والمعنى : ما سمعنا بهذا قبل اليوم فلا نعتدّ به . ويجوز على هذا التقدير أن يكون المراد ب { الملَّةِ الآخرة } دين النصارى ، وهو عن ابن عباس وأصحابه وعليه فالمشركون استشهدوا على بطلان توحيد الإله بأن دين النصارى الذي ظهر قبل الإِسلام أثبتَ تعدد الآلهة ، ويكون نفي السماع كناية عن سماع ضده وهو تعدد الآلهة . ويجوز أن يريدوا ب { الملَّةِ الآخِرة } الملّة التي هُم عليها ويكون إشارة إلى قول ملأ قريش لأبي طالب في حين احْتضاره حين قال له النبي صلى الله عليه وسلم « يا عَم قُلْ لا إله إلاّ الله كلمةً أُحاجُّ لك بها عند الله . فقالوا له جميعاً : أترغب عن ملة عبد المطلب » فقولهم : { في الملة الآخِرَةِ } كناية عن استمرار انتفاء هذا إلى الزمن الأخير فيعلم أن انتفاءه في ملتهم الأولى بالأحرى .

وجملة { إن هذا إلاَّ اختلاقٌ } مبينة لجملة { ما سمعنا بهذا } وهذا هو المتحصل من كلامهم المبدوء ب { امشوا واصبروا على ءَالهتِكُم } فهذه الجملة كالفذلكة لكلامهم .

والاختلاق : الكذب المخترع الذي لا شبهة لقائله .