ثم أمرهم - سبحانه - بطاعته والاعتماد عليه والاستعانة به وحده فقال { بَلِ الله مَوْلاَكُمْ وَهُوَ خَيْرُ الناصرين } .
وحرف " بل " هنا للإضراب الانتقالى ، لأنه - سبحانه - بعد أن حذر المؤمنين من إطاعة الكافرين وما يترتب عليها من مضار ، انتقل إلى توجيههم إلى ما فيه عزتهم وكرامتهم وسعادتهم .
والمولى هنا بمعنى النصير والمعين ، وهذا اللفظ لا يدل على النصرة والعون فقط ، وإنما يدل على كمال المحبة والمودة والقرب ، والنصرة تجىء ملازمة لهذه المعانى ، لأنه من كان الله محبا له ، كان - سبحانه - ناصرا له لا محالة .
والمعنى إنى أنهاكم - أيها المؤمنون - عن إطاعة الكافرين ، لأنهم ليسوا أولياء لكم فتطيعوهم ، بل الله - تعالى - هو وليكم ومعينكم وهو خير الناصرين ، لأنه هو الذى لا يعجزه شىء فى الأرض ولا فى السماء فأخلصوا له العبادة والطاعة .
{ بَلِ اللّهُ مَوْلاَكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النّاصِرِينَ }
يعني بذلك تعالى ذكره : أن الله مسدّدكم أيها المؤمنون ، فمنقذكم من طاعة الذين كفروا .
وإنما قيل : { بَلِ اللّهُ مَوْلاكُمْ } لأن قوله : { إنْ تُطِيعُوا الّذِينَ كَفَرُوا يَرُدّوكُمْ على أعْقابِكُمْ } نهيٌ لهم عن طاعتهم ، فكأنه قال : يا أيها الذين آمنوا لا تطيعوا الذين كفروا ، فيردّوكم على أعقابكم ، ثم ابتدأ الخبر ، فقال : { بَلِ اللّهُ مَوْلاكُمْ } فأطيعوه دون الذين كفروا فهو خير من نصر ، ولذلك رفع اسم الله ، ولو كان منصوبا على معنى : بل أطيعوا الله مولاكم دون الذين كفروا ، كان وجها صحيحا . ويعني بقوله : { بَلِ اللّهُ مَوْلاكُمْ } : وليكم وناصركم على أعدائكم الذين كفروا ، { وَهُوَ خَيْرُ النّاصرِين } لا من فررتم إليه من اليهود وأهل الكفر بالله ، فبالله الذي هو ناصركم ومولاكم فاعتصموا وإياه فاستنصروا دون غيره ممن يبغيكم الغوائل ويرصدكم بالمكاره . كما :
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : { بَلِ اللّهُ مَوْلاكُمْ } إن كان ما تقولون بألسنتكم صدقا في قلوبكم ، { وَهُوَ خَيْرُ النّاصِرِينَ } : أي فاعتصموا به ولا تستنصروا بغيره ، ولا ترجعوا على أعقابكم مرتدين عن دينكم .
وقوله : { بل الله مولاكم } إضراب لإبطال ما تضمّنه ما قبله ، فعلى الوحه الأول تظهر المناسبة غاية الظهور ، لأنّ الطاعة على ذلك الوجه هي من قبيل الموالاة والحلف فناسب إبطالها بالتَّذكير بأنّ مولى المؤمنين هو الله تعالى ، ولهذا التَّذكير موقع عظيم : وهو أن نقض الولاء والحلف أمر عظيم عند العرب ، فإنّ للولاء عندهم شأناً كشأن النسب ، وهذا معنى قرّره الإسلام في خطبة حجّة الوداع أو فتح مكة « مَن انتسب إلى غير أبيه أو انتمى إلى غير مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والنَّاس أجمعين » فكيف إذا كان الولاء ولاء سيد الموالي كلّهم .
وعلى الوجه الثَّاني في معنى { إن تطيعوا الَّذين كفروا } تكون المناسبة باعتبار ما في طاعة المنافقين من موالاتهم وترك ولاء الله تعالى .
وقوله : { وهو خير الناصرين } يقوّي مناسبة الوجه الأول ويزيد إرادته ظهوراً . و { خير النَّاصرين } هو أفضل الموصوفين بالوصف ، فيما يراد منه ، وفي موقعه ، وفائدته ، فالنصر يقصد منه دفع الغلب عن المغلوب ، فمتى كان الدفع أقطع للغالب كان النصر أفضل ، ويقصد منه دفع الظلم فمتى كان النصر قاطعاً لظلم الظالم كان موقعه أفضل ، وفائدته أكمل ، فالنصر لا يخلو من مدحة لأنّ فيه ظهور الشَّجاعة وإباء الضيم والنجدة .
قال ودّاك بنُ ثمَيْل المازني :
إذا استنجدوا لمْ يسْألوا من دعاهم *** لأية حرب أم بأي مكــان
ولكنّه إذا كان تأييداً لظالم أو قاطع طريق ، كان فيه دَخَل ومذمّة ، فإذا كان إظهاراً لحقِّ المحقّ وإبطالِ الباطل ، استكمل المحمدة ، ولذلك فَسّر النَّبيء صلى الله عليه وسلم نصر الظالم بما يناسب خُلُق الإسلام لمّا قال : « انصر أخاك ظالماً ومظلوماً » فقال بعض القوم : هذا أنصره إذا كان مظلوماً فكيف أنصره إذا كان ظالماً ؟ فقال : « أنْ تنصره على نفسه فتكفّه عن ظلمه » .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.