اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{بَلِ ٱللَّهُ مَوۡلَىٰكُمۡۖ وَهُوَ خَيۡرُ ٱلنَّـٰصِرِينَ} (150)

قوله : { بَلِ اللَّهُ مَوْلاَكُمْ } مبتدأ وخبر ، وقرأ الحسنُ بنصب الجلالةِ{[6056]} ؛ على إضمار فِعْل يدل عليه الشرط الأول ، والتقدير : لا تطيعوا الذين كفروا ، بل أطيعوا الله ، و " مَوْلاَكُمْ " صفة .

وقال مَكِّي{[6057]} : " وأجاز الفرَّاء{[6058]} : بل الله - بالنصب - " كأنه لم يطلع على أنها قراءة .

فصل

والمعنى : أنكم إن تطيعوا الكفار لينصروكم ويُعينوكم فهذا جَهْل ، لأنهم عاجزون متحيرون ، والعاقل يطلب النُّصْرَةَ من الله تعالى ؛ لأنه هو الذي ينصركم على العَدُوِّ ، ثم بيَّن أنه خير الناصرين ، وذلك لوجوهٍ :

أولها : أنه - تعالى - هو القادرُ على نصرتك في كلِّ ما تريدُ والعالم الذي لا يَخْفَى عليه دعاؤك وتضرُّعك ، والكريم الذي لا يبخل في جوده ونصرة العبيد بعضهم لبعض بخلاف ذلك في كل هذه الوجوه .

ثانيها : أنه ينصرك في الدُّنْيَا والآخرة ، وغيره ليس كذلك .

ثالثها : أنه ينصرك قبل سُؤالك ومعرفتك بالحاجة ، كما قال : { قُلْ مَن يَكْلَؤُكُم بِالْلَّيْلِ وَالنَّهَارِ } [ الأنبياء : 42 ] وغيره ليس كذلك .

واعلم أن ظاهر قوله : { وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ } يقتضي أن يكون من جنس سائر الناصِرِينَ ، وهو منزَّه ، عن ذلك ، وإنما ورد الكلامُ على حسب تعارفهم ، كقوله : { وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ } [ الروم : 27 ] .


[6056]:انظر: الشواذ 22، والمحرر الوجيز 1/522، والبحر المحيط 3/82، والدر المصون 2/231.
[6057]:ينظر: المشكل 1/163.
[6058]:معاني القرآن 1/237.