أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{فَمَا ظَنُّكُم بِرَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (87)

{ فما ظنكم برب العالمين } بمن هو حقيق بالعبادة لكونه ربا للعالمين حتى تركتم عبادته ، أو أشركتم به غيره أو أمنتم من عذابه ، والمعنى إنكار ما يوجب ظنا فضلا عن قطع يصد عن عبادته ، أو يجوز الإشراك به أو يقتضي الأمن من عقابه على طريقة الإلزام وهو كالحجة على ما قبله .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{فَمَا ظَنُّكُم بِرَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (87)

وفرع على استفهام الإِنكار استفهام آخر وهو قوله : { فما ظنكم برب العالمين } وهو استفهام أريد به الإِنكار والتوقيف على الخطأ ، وأريد بالظن الاعتقاد الخطأ .

وسمي ظناً لأنه غير مطابق للواقع ولم يسمه علماً لأن العلم لا يطلق إلا على الاعتقاد المطابق للواقع ولذلك عرفوه بأنه : « صفة توجِب تمييزاً لا يحتمل النقيض » ولا ينتفي احتمال النقيض إلا متى كان موافقاً للواقع . وكثر إطلاق الظن على التصديق المخطىء والجهل المركب كما في قوله تعالى : { إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون } في سورة [ الأنعام : 116 ] . وقوله : { إن الظن لا يغني من الحق شيئاً } [ يونس : 36 ] .

وقول النبي صلى الله عليه وسلم " إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث " .

والمعنى : أن اعتقادكم في جانب رب العالمين جهل منكَر .

وفعل الظن إذا عدّي بالباء أشعر غالباً بظن صادق قال تعالى : { وتظنون بالله الظنونا } [ الأحزاب : 10 ] وقال : { وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم } [ فصلت : 23 ] . ومنه إطلاق الظنين على المتهم فإن أصله : ظنين بِه ، فحذفت الباء ووصل الوصف ، وذلك أنه إذا عدي بالباء فالأكثر حذف مفعوله وكانت الباء للإِلصاق المجازي ، أي ظن ظناً ملصقاً بالله ، أي مدّعى تعلقه بالله وإنما يناسب ذلك ما ليس لائقاً بالله .

وتقدمت الإِشارة إليه عند قوله تعالى : { وتظنون بالله الظنونا } في سورة [ الأحزاب : 10 ] .

والمعنى : فما ظنكم السيّىء بالله ، ولما كان الظن من أفعال القلب فتعديته إلى اسم الذات دون إتباع الاسم بوصف متعينة لتقدير وصف مناسب . وقد حذف المتعلق هنا لقصد التوسع في تقدير المحذوف بكل احتمال مناسب تكثيراً للمعاني فيجوز أن تعتبر من ذاتتِ ربّ العالمين أوصافُه . ويجوز أن يعتبر منها الكنهُ والحقيقة ، فاعتبار الوصف على وجهين :

أحدهما : المعنى المشتق منه الرب وهو الربوبية وهي تبليغ الشيء إلى كماله تدريجاً ورفقاً فإن المخلوق محتاج إلى البقاء والإِمداد وذلك يوجب أن يَشكر المُمَدّ فلا يصد عن عبادة ربه ، فيكون التقدير : فما ظنكم أن له شركاء وهو المنفرد باستحقاق الشكر المُتَمثل في العبادة لأنه الذي أمدكم بإنعامه .

وثانيهما : أن يعتبر فيه معنى المالكية وهي أحد معنيي الربّ وهو مستلزم لمعنى القهر والقدرة على المملوك ، فيكون التقدير : فما ظنكم ماذا يفعل بكم من عقاب على كفرانه وهو مالِككم ومالك العالمين .

وأما جواز اعتبار حقيقة رب العالمين وكنهه . فالتقدير فيه : فما ظنكم بكنهِ الربوبية فإنكم جاهلون الصفات التي تقتضيها وفي مقدمتها الوحدانية .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{فَمَا ظَنُّكُم بِرَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (87)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

إذا لقيتموه وقد عبدتم غيره.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل إبراهيم لأبيه وقومه:"فَما ظَنّكُمْ بِرَبّ العالَمِينَ"؟ يقول: فأيّ شيء تظنون أيها القوم أنه يصنع بكم إن لقيتموه وقد عبدتم غيره.

لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :

فما الذي تقُولون له؟ وكيف بكم في مقام الخجلة مما بين أيديكم وإن كنتم اليوم غافلين عنه؟

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

لا يقدر في وهم ولا ظنّ ما يصدّ عن عبادته.

أو فما ظنكم به أي شيء هو من الأشياء، حتى جعلتم الأصنام له أنداداً.

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

توبيخ وتحذير وتوعد.

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

فيه وجهان؛

أحدهما: أتظنون برب العالمين أنه يجوز جعل هذه الجمادات مشاركة له في المعبودية.

وثانيها: أتظنون برب العالمين أنه من جنس هذه الأجسام حتى جعلتموها مساوية له في المعبودية فنبههم بذلك على أنه ليس كمثله شيء.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

لما كان كفران الإحسان شديداً، ذكرهم بإحسانه حافظاً لسياق التهديد بالإشارة إلى أنه يكفي في ذلك الخوف من قطع الإحسان فقال: {برب العالمين} اي الذي توحد بخلق جميع الجواهر والأعراض وتربيتهم؛ فهو مستحق لتوحيدهم إياه في عبادتهم، أتظنون أنه لا يعذبكم وقد صرفتم ما أنعم به عليكم إلى عبادة غيره، إشارة إلى إنكار تجويز مثل هذا، وأن المقطوع به أن محسناً لا يرضى بدوام إدرار إحسانه إلى من ينسبه إلى غيره.

تيسير التفسير لاطفيش 1332 هـ :

أظننتم أنه غير موجود، أو موجود راض بعبادة غيره، أو عاجز عن الانتقام ممن عبد غيره، أو غير أهل لأن يعبد.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

كلمة يبدو فيها استنكار الفطرة السليمة البريئة، وهي تطلع على الأمر البين الذي يصدم الحس والعقل والضمير.

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

هو استفهام أريد به الإِنكار والتوقيف على الخطأ، وأريد بالظن الاعتقاد الخطأ. وسمي ظناً لأنه غير مطابق للواقع ولم يسمه علماً؛ لأن العلم لا يطلق إلا على الاعتقاد المطابق للواقع؛ والمعنى: أن اعتقادكم في جانب رب العالمين جهل منكَر.

تفسير الشعراوي 1419 هـ :

{فَمَا ظَنُّكُم بِرَبِّ الْعَالَمِينَ} أخبرونا ماذا تظنون في الله؟ وما الذي لا يعجبكم في ألوهيته سبحانه؟ وكيف تخدعون أنفسكم، فتنصرفون عنه سبحانه، وهو رَبُّ العالمين...

فكأن الحق سبحانه يتعجَّب من هؤلاء الذين أشركوا به سبحانه، مع وضوح الدليل على بُطلان شركهم، والشيء لا يُتعجَّب منه إلا إذا جاء على غير ما يجب أنْ يكونَ عليه من الصِّدْق...

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

(ربّ العالمين) تشير إلى أنّ كلّ العالم يدور في ظلّ ربوبيته تبارك وتعالى، وقد تركتموه واتّجهتم صوب مجموعة من الظنون والأوهام الفارغة.