وقوله تعالى : { مُدْهَامَّتَانِ } صفة لجنتان وسط بينها الاعتراض لما تقدم من التنبيه على أن تكذيب كل من الموصوف والصفة حقيق بالإنكار والتوبيخ أو خبر مبتدأ محذوف أي هما مدهامتان من الدهمة وهي في الأصل على ما قال الراغب سواد الليل ويعبر عن سواد الفرس وقد يعبر بها عن الخضرة الكاملة اللون كما يعبر عنها بالخضرة إذا لم تكن كاملة وذلك لتقاربهما في اللون ، ويقال : إدهام ادهيماماً فهو مدهام على وزن مفعال إذا اسود أو اشتدت خضرته ، وفسرها هنا ابن عباس . ومجاهد . وابن جبير . وعكرمة . وعطاء بن أبي رباح . وجماعة بخضراوان ، بل أخرج الطبراني . وابن مردويه عن أبي أيوب رضي الله تعالى عنه قال : «سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى : { مُدْهَامَّتَانِ } فقال عليه الصلاة والسلام : خضراوان » والمراد أنهما شديدتا الخضرة والخضرة إذا اشتدت ضربت إلى السواد وذلك من الري من الماء كما روي عن ابن عباس . وابن الزبير . وأبي صالح قيل : إن في وصف هاتين الجنتين بما ذكر إشعاراً بأن الغالب عليهما النبات والرياحين المنبسطة على وجه الأرض كما أن في وصف السابقتين بذواتا أفنان إشعاراً بأن الغالب عليهما الأشجار فإن الأشجار توصف بأنها ذوات أفنان والنبات يوصف بالخضرة الشديدة فالاقتصار في كل منهما على أحد الأمرين مشعر بما ذكر وبني على هذا كون هاتين الجنتين دون الأوليين في المنزلة والقدر كيف لا والجنة الكثيرة الظلال والثمار أعلى وأغلى من الجنة القليلة الظلال والثمار ، ومن ذهب إلى تفضيل هاتين الجنتين مع اختصاص الوصف بالخضرة بالنبات وكذا كونه أغلب من وصف الأشجار به فكثيراً ما تسمع الناس يقولون إذا مدحوا بستاناً أشجاره خضر يانعة وهو أظهر في مدحه بأنه ذو ثمار من ذي أفنان ، وهو يشعر أيضاً بكثرة مائه والاعتناء بشأنه وبعده عن التصوح والهلاك .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
ثم نعتهما فقال: {مدهامتان} سوداوان من الري والخضرة...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
"مُدْهامّتانِ" يقول تعالى ذكره. مسودّتان من شدة خضرتهما.
زاد المسير في علم التفسير لابن الجوزي 597 هـ :
وكل نبت أخضر فتمام خضرته وريّه أن يضرب إلى السواد.
{مدهامتان} أي مخضرتان في غاية الخضرة، وإدهام الشيء أي اسواد لكن لا يستعمل في بعض الأشياء والأرض إذا اخضرت غاية الخضرة تضرب إلى أسود، ويحتمل أن يقال: الأرض الخالية عن الزرع يقال لها: بياض أرض وإذا كانت معمورة يقال لها: سواد أرض كما يقال: سواد البلد، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "عليكم بالسواد الأعظم ومن كثر سواد قوم فهو منهم " والتحقيق فيه أن ابتداء الألوان هو البياض وانتهاءها هو السواد، فإن الأبيض يقبل كل لون والأسود لا يقبل شيئا من الألوان، ولهذا يطلق الكافر على الأسود ولا يطلق على لون آخر، ولما كانت الخالية عن الزرع متصفة بالبياض واللاخالية بالسواد فهذا يدل على أنهما تحت الأوليين مكانا، فهم إذا نظروا إلى ما فوقهم، يرون الأفنان تظلهم، وإذا نظروا إلى ما تحتهم يرون الأرض مخضرة،
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي 685 هـ :
"مدهامتان" خضراوان تضربان إلى السواد من شدة الخضرة وفيه إشعار بأن الغالب على هاتين الجنتين النبات والرياحين المنبسطة على وجه الأرض وعلى الأوليين الأشجار والفواكه دلالة على ما بينهما من التفاوت.