نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَلَىٰ رَبِّهِمۡ يَتَوَكَّلُونَ} (42)

ولما نبه على إحسانه إليهم ، وكان فيه من أول الأمر نوع غموض لظهور الكفرة في بادي الرأي ، وصفهم بما يحتاج إليه في الاستجلاب لتمامه حثاً وإلهاباً ، فقال تعالى - واصفاً للمهاجرين بياناً لأصل ما حملهم على ما استحقوا به هذا لأجر الجزيل - : { الذين صبروا } أي استعملوا الصبر على ما نابهم من المكاره من الكفار وغيرهم في الإقامة بين أظهرهم مدة ثم في الهجرة بمفارقة الوطن الذي هو حرم الله المشرب حبه لكل قلب ، فكيف بقلوب من هو مسقط رؤوسهم ومألف أبدانهم ونفوسهم ، وفي بذل الأرواح في الجهاد وغير ذلك ، ولفت الكلام إلى وصف والإحسان تنبيهاً على ما يحمل على التوكل فقال تعالى : { وعلى ربهم } أي المحسن إليهم بإيجادهم وهدايتهم وحده { يتوكلون * } في كل حالة يريدونها رضى بقضاء الله تعالى .