نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{وَٱلَّذِينَ هَاجَرُواْ فِي ٱللَّهِ مِنۢ بَعۡدِ مَا ظُلِمُواْ لَنُبَوِّئَنَّهُمۡ فِي ٱلدُّنۡيَا حَسَنَةٗۖ وَلَأَجۡرُ ٱلۡأٓخِرَةِ أَكۡبَرُۚ لَوۡ كَانُواْ يَعۡلَمُونَ} (41)

ولما كان التقدير تفصيلاً لفريقي المبين لهم وترغيباً في الهجرة لأنها بعد الإيمان أوثق عرى الإسلام : فالذين كفروا واغتروا بما شاهدوه من العرض الفاني لنخزينهم في الدنيا والآخرة ولنجازينهم بجميع ما كانوا يعملون ، عطف عليه قوله تعالى : { والذين هاجروا } أي أوقعوا المهاجرة فراراً بدينهم فهجروا آباءهم وأبناءهم وأقاربهم من الكفار وديارهم وجميع ما نهوا عنه { في الله } أي الملك الأعلى الذي له صفات الكمال ، بعدما " تمادى " المكذبون بالبعث على إيذائهم ، فتركوا لهم بلادهم .

ولما كانت هجرتهم لم تستغرق زمان البعد لموت بعض من هجروه وإسلام آخرين بعد احتمالهم لظلمهم ما شاء الله ، قال تعالى : { من بعد ما ظلموا } أي وقع ظلمهم من الكفار ، بناه للمفعول لأن المحذور وقوع الظلم لا كونه من معين { لنبوئنهم } أي نوجد لهم منزلاً هو أهل لأن يرجع إليه ، بما لنا من الملائكة وغيرهم من الجنود وجميع العظمة { في الدنيا } مباءة { حسنة } كبيرة عظيمة ، جزاء لهم على خدمتنا ، بأن نعلي أمرهم وإن كره المشركون ، كما يراه من يتدبر بمنعي لأوليائي على قلتهم ، وسينكشف الأمر عما قريب انكشافاً لا يجهله أحد ، فالآية دليل على ما قبلها .

ولما كان التقدير : ولنبوئنهم في الآخرة أجراً كبيراً ، عطف عليه قوله تعالى : { ولأجر الآخرة } المعد لهم { أكبر } مما جعلته لهم في الدنيا { لو كانوا يعلمون * } أي لو كان الكفار لهم بجبلاتهم علم بأن يكون لهم عقل يتدبرون به لعلموا - بإحساني إلى أوليائي في الدنيا من منعي لهم منهم في عنادهم مع كثرتهم وقلتهم ، وإسباغي لنعمي عليهم لا سيما في الأماكن التي هاجروا إليها من الحبشة والمدينة وغيرهما مع اجتهادهم في منعها عنهم - أني أجمع لأوليائي الدارين ، وأن إحساني إليهم في الآخرة أعظم - روي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان إذا أعطى الرجل من المهاجرين عطاء قال : خذ بارك الله لك فيه ، هذا ما وعدك الله في الدنيا ، وما ادخر لك في الآخرة أكثر وأفضل - ثم تلا هذه الآية .