التفسير الحديث لدروزة - دروزة  
{لَقَدۡ وُعِدۡنَا هَٰذَا نَحۡنُ وَءَابَآؤُنَا مِن قَبۡلُ إِنۡ هَٰذَآ إِلَّآ أَسَٰطِيرُ ٱلۡأَوَّلِينَ} (68)

{ قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاواتِ والْأَرْضِ الْغَيْبَ إلاّ اللَّهُ ومَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ 65 بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِّنْهَا بَلْ هُم مِّنْهَا عَمُونَ 66 وقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا وآبَاؤُنَا أَئِنَّا لَمُخْرَجُونَ 67 لَقَدْ وُعِدْنَا هَذَا نَحْنُ وآبَاؤُنَا مِن قَبْلُ إِنْ هَذَا إلاّ أَسَاطِيرُ الْأَولِينَ 68 قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ 96 ولَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ ولَا تَكُن فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ 70 ويَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ 71 قُلْ عَسَى أَن يَكُونَ رَدِفَ لَكُم بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ 72 وإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ ولَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ 73 وإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ ومَا يُعْلِنُونَ 74 ومَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاء والْأَرْضِ إلاّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ 75 } [ 65 75 ]

الآيات استمرار للسياق ومتصلة بما سبقها كما هو المتبادر ، وبدؤها بأمر " قل " الذي بدأ به الفصل السابق قرينة على ذلك . وفي الوقت نفسه فإن فيها عودا على ما احتواه مطلع السورة من ذكر جحود الجاحدين بالآخرة وخسرانهم مما يجعل الترابط قائما بين فصولها .

وفي الآية الأولى أمر للنبي صلى الله عليه وسلم بأن يقرر ويقول : إنه ليس من أحد في السماوات والأرض غير الله يعلم الغيب ، وأنه ليس من أحد يعلم وقت البعث والنشور ، وفي الثانية توكيد بعدم إدراكهم لأمر الآخرة وحكمتها وشكهم فيها بسبب ذلك ، وأنهم في عماية تامة عنها ، والآيتان الثالثة والرابعة حكت تساؤل الكفار على سبيل الإنكار عن إمكان البعث بعد أن يصبحوا هم وآباؤهم من قبل ترابا ، وقولهم إن الوعد بالآخرة ليس جديدا وإن آباءهم أوعدوا به من قبلهم ، وقد احتوت الآية الخامسة أمرا بالرد عليهم على طريقة الأسلوب الحكيم ؛ فما عليهم إلاّ أن يطوفوا في الأرض ليروا عاقبة المكذبين المجرمين وآثار نكال الله تعالى فيهم ، واحتوت الآية السادسة تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم : فليس عليه أن يحزن ويضيق صدره مما يمكرونه ويكيدونه للدعوة ويقفونه منها من مواقف التكذيب . وعادت الآية السابعة إلى حكاية تساؤلهم عن موعد تحقيق ما يوعدون بأسلوب الإنكار والتحدي ، فردت عليهم الآية الثامنة آمرة النبي صلى الله عليه وسلم بإنذارهم باحتمال قرب ما يستعجلون من عذاب الله ، ثم استطردت الآيات التي جاءت بعدها إلى تقريرات مباشرة : فالله سبحانه ذو فضل على خلقه ولكن أكثرهم لا يشركونه على ذلك به ، والله سبحانه عليم بما يسرّه الناس ويعلنونه من أفكار وأعمال وليس من شيء مهما دقّ وخفي في السماوات والأرض إلاّ قد أحاط علم الله به إحاطة تامة . والمتبادر أن في الآيات الثلاث التقريرية الأخيرة إنذارا وتبكيتا ، والآية الأولى منها بخاصة تتضمن تقرير كون الله تعالى إذا لم يعجل للكفار بالعذاب الذي يستعجلونه فإنما ذلك فضل منه يستحق الشكر ؛ لأن فيه فرصة لهم .

والآيات كما هو واضح تحتوي صورة من صور الجدل والحجاج والعناد والاستهتار التي كانت تبدو من الكفار ، وبخاصة في صدد البعث الذي كان كما قلنا من أهم مواضع الجدل وأشد عقبات الدعوة ، والراجح أنه كان يحدث بين النبي صلى الله عليه وسلم وبعض الكفار مجادلات وجاهية في هذا الصدد ، فتنزل الآيات للتدعيم والتثبيت والردّ والتسفيه والتطمين حسب مقتضيات الموقف .

والأسئلة المحكية عن الكفار قد تكررت حكايتها كثيرا مما مرّت أمثلة عديدة منها ، وهذا يدل على تكرر مواقف الجدل والحجاج بين النبي صلى الله عليه وسلم والكفار في نفس الصدد في المناسبات التي كانت تتكرر أو تتجدد مما هو متصل بطبيعة مهمة النبي صلى الله عليه وسلم واتصالاته المتوالية بمختلف الفئات .