التفسير الحديث لدروزة - دروزة  
{يُطَافُ عَلَيۡهِم بِصِحَافٖ مِّن ذَهَبٖ وَأَكۡوَابٖۖ وَفِيهَا مَا تَشۡتَهِيهِ ٱلۡأَنفُسُ وَتَلَذُّ ٱلۡأَعۡيُنُۖ وَأَنتُمۡ فِيهَا خَٰلِدُونَ} (71)

{ يَا عِبَادِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلاَ أَنتُمْ تَحْزَنُونَ ( 68 ) الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ ( 69 ) ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ ( 70 ) يُطَافُ عَلَيْهِم بِصِحَافٍ مِّن ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الأَنفُسُ وَتَلَذُّ الأَعْيُنُ وَأَنتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ( 71 ) وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ( 72 ) لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا تَأْكُلُونَ ( 73 ) } [ 68 – 73 ] .

في الآيات وصف لما سوف يلقاه المتقون الذين استثنوا في آخر الآية السابقة : فسوف يخاطب الله تعالى الذين آمنوا بآياته وأسلموا نفوسهم إليه وأخلصوا دينهم له وحده فيطمئنهم بأنهم لن يروا ما يبعث فيهم خوفا ولا حزنا . ويأمرهم بدخول الجنة مع أزواجهم وأمثالهم حيث يسرون كل السرور ويطاف عليهم بأطباق الذهب وأكواب الذهب ويتمتعون بكل ما تشتهيه النفس وتلذ العين من المآكل والمشارب والفواكه ووسائل الراحة والسرور . ويقال لهم : إنكم خالدون في هذا النعيم وقد استحققتموه بما كنتم تعملون في الدنيا من صالح الأعمال .

والآيات متصلة بسابقاتها كما هو ظاهر ، والوصف الذي احتوته أخاذ قوي الإغراء ، وقد استهدف فيما استهدفه حمل الناس على الاستجابة للدعوة لضمان هذا المصير السعيد لأنفسهم وتبشير المؤمنين المستجيبين وتبشيرهم .

ولقد روى مسلم والترمذي عن أبي سعيد حديثا جاء فيه : ( قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ينادي مناد إن لكم أن تحيوا فلا تموتوا أبدا وإن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبدا وإن لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبدا وإن لكم أن تنعموا فلا تبأسوا أبدا ، فذلك قوله تعالى : { وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ( 72 ) } ){[1854]} .

حيث ينطوي في الحديث توضيح تشويقي للآيات .

تعليق على صحاف الذهب

وأكواب الذهب

ولقد قلنا قبل : إن حكمة التنزيل اقتضت أن تكون أوصاف النعيم والعذاب الأخرويين مستمدة من مألوفات الناس في الدنيا للتقريب والتأثير مع ما ينطوي في ذلك من حقيقة إيمانية . ولقد ذكرت هنا صحاف الذهب وأكواب الذهب كآنية للطعام والشراب ، وذكر في سورة فاطر أن المؤمنين يحلون من أساور من ذهب ولؤلؤ ولباسهم فيها حرير . وفي سورة الواقعة وصف مطنب لمجالس الشراب والطعام وأوانيها وخدمها ، ومثل ذلك في سورة الصافات ومثل هذا في سور أخرى لم يأت دور تفسيرها . فكل هذا مما يسوغ القول : إن بعض سامعي القرآن من الأغنياء والمترفين من كان يعرف هذه الوسائل ويتمتع بها . وفي هذا صورة من صور بيئة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعصره .


[1854]:التاج جـ 4 ص 205.