التفسير الحديث لدروزة - دروزة  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَا تَعۡتَذِرُواْ ٱلۡيَوۡمَۖ إِنَّمَا تُجۡزَوۡنَ مَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ} (7)

{ أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ( 6 ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ( 7 ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ( 8 ) } .

تعليق على الآية

{ يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا } والآيتين التاليتين لها

لم يرو المفسرون فيما اطلعنا عليه مناسبة خاصة لنزول الآيات التي احتوت ، والذي يتبادر لنا أنها جاءت معقبة على الآيات السابقة . فقد حكت ما حكته من الحادث الذي كاد فيه بعض نساء النبي صلى الله عليه وسلم له بما آلمه ، وأنذرتهن ونددت بهن وطلبت منهن التوبة ، فجاءت هذه الآيات تهتف بالمسلمين عامة ونساء النبي داخلات في الخطاب طبعا على سبيل العظة والتوكيد . بوجوب التوبة إلى الله تعالى مما ألموا ويلمون به من ذنوب وأخطاء توبة صادقة مخلصة ليقوا أنفسهم وأهليهم بذلك من أهوال يوم القيامة ، ويستحقوا فيه مغفرة الله تعالى ورحمته ورضوانه وجناته .

وقد وصفت الآيات ذلك اليوم بما وصفت من قبيل الاستطراد والتشديد بالدعوة إلى ما هتفت به من التوبة ووقاية النفس والأهل : فالنار شديدة هائلة . وحراسها أشداء أقوياء من الملائكة يسارعون إلى تنفيذ أوامر الله ولا يعصونه في شيء . ولسوف يقال في ذلك اليوم للكفار : لا تعتذروا فلن يفيدكم اعتذار ، وإنما تجزون بما كنتم تعملون حقا وعدلا . ولسوف يقر الله فيه عيون النبي والمؤمنين المخلصين معه ولا يخزيهم . يشع نورهم أمامهم وعلى جوانبهم ، ويدعون الله بأن يتمم نوره ونعمته عليهم ويغفر لهم ذنوبهم مقررين أنه على كل شيء قدير ، والآيات قوية نافذة من شأنها بعث الرهبة والرغبة في السامعين ، وهو مما استهدفته الآيات وإطلاق الهتاف يجعله عاما شاملا لكل المسلمين في كل ظرف ومكان .

ووصف التوبة التي دعى إليها المسلمون بالنصوح الذي يعني الندم على ما فات والاعتزام على عدم اقتراف ذنب فيما هو آت . وهو ما أوله به أهل التأويل من أصحاب رسول الله وتابعيهم على ما رواه المفسرون{[2263]} وهذا هو الأصل الحكيم في مبدأ التوبة القرآني على ما نبهنا عليه في مناسبات عديدة سابقة .

ولقد علق المفسرون{[2264]} على جملة { قوا أنفسكم وأهليكم نارا } فقالوا : إنها توجب على رب البيت المسلم أن يعلم أهله وأولاده ومماليكه ما فرض الله ونهى عنه ومن ذلك تعليم الأطفال الصلاة والصوم وحسن الأخلاق وأن يراقبهم في ذلك وأن يزجرهم ويقذعهم إذا ما أتوا معصية . ومنهم من عزا ذلك إلى ابن عباس . وفي هذا وجاهة ظاهرة .

وفي مناسبة جملة { عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون 6 } نقول : إن شيئا من ذلك ورد في سورة المدثر وعلقنا عليه وعلى موضوع الملائكة في مناسبة بما يغني عن التكرار . وقد يكون ما تضمنته الآيات هنا من إنذار بالجزاء الأخروي للناس على أعمالهم والتحذير من عذاب النار من حكمة الأسلوب الذي وردت به العبارة القرآنية ؛ لأن فيه ترهيبا قويا ، والله تعالى أعلم .


[2263]:انظر تفسير الطبري والبغوي والزمخشري والخازن
[2264]:المصدر نفسه