مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَا تَعۡتَذِرُواْ ٱلۡيَوۡمَۖ إِنَّمَا تُجۡزَوۡنَ مَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ} (7)

وقوله تعالى : { يا أيها الذين كفروا لا تعتذروا اليوم } لما ذكر شدة العذاب بالنار ، واشتداد الملائكة في انتقام الأعداء ، فقال : { لا تعتذروا اليوم } أي يقال لهم : لا تعتذروا اليوم إذ الاعتذار هو التوبة ، والتوبة غير مقبولة بعد الدخول في النار ، فلا ينفعكم الاعتذار ، وقوله تعالى : { إنما تجزون ما كنتم تعملون } يعني إنما أعمالكم السيئة ألزمتكم العذاب في الحكمة ، وفي الآية مباحث :

البحث الأول : أنه تعالى خاطب المشركين في قوله : { فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة } وقال : { أعدت للكافرين } جعلها معدة للكافرين ، فما معنى مخاطبته به المؤمنين ؟ نقول : الفساق وإن كانت دركاتهم فوق دركات الكفار ، فإنهم مع الكفار في دار واحدة فقيل للذين آمنوا : { قوا أنفسكم } باجتناب الفسق مجاورة الذين أعدت لهم هذه النار ، ولا يبعد أن يأمرهم بالتوقي من الارتداد .

البحث الثاني : كيف تكون الملائكة غلاظا شدادا وهم من الأرواح ، فنقول : الغلظة والشدة بحسب الصفات لما كانوا من الأرواح لا بحسب الذات ، وهذا أقرب بالنسبة إلى الغير من الأقوال .

البحث الثالث : قوله تعالى : { لا يعصون الله ما أمرهم } في معنى قوله : { ويفعلون ما يؤمرون } فما الفائدة في الذكر فنقول : ليس هذا في معنى ذلك لأن معنى الأول أنهم يتقبلون أوامره ويلتزمونها ولا ينكرونها ، ومعنى الثاني أنهم ما يؤمرون به كذا ذكره في الكشاف .