تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{قَالَ أَلَمۡ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدٗا وَلَبِثۡتَ فِينَا مِنۡ عُمُرِكَ سِنِينَ} (18)

[ أي : أما أنت الذي ربيناه فينا{[21699]} ] ، وفي بيتنا وعلى فراشنا [ وغذيناه{[21700]} ] ، وأنعمنا عليه مدة من السنين ، ثم بعد هذا قابلت ذلك الإحسان بتلك الفعلة ، أن قتلت منا رجلا وجحدت نعمتنا عليك ؛ ولهذا قال : { وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ } أي : الجاحدين . قاله ابن عباس ، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، واختاره ابن جرير .


[21699]:- زيادة من ف ، أ.
[21700]:- زيادة من ف ، أ.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{قَالَ أَلَمۡ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدٗا وَلَبِثۡتَ فِينَا مِنۡ عُمُرِكَ سِنِينَ} (18)

طوي من الكلام ذهاب موسى وهارون إلى فرعون واستئذانهما عليه وإبلاغهما ما أمرهما الله أن يقولا لفرعون إيجازاً للكلام . ووجَّه فرعون خطابه إلى موسى وحده لأنه علم من تفصيل كلام موسى وهارون أن موسى هو الرسول بالأصالة وأن هارون كان عوناً له على التبليغ فلم يشتغل بالكلام مع هارون . وأعرض فرعون عن الاعتناء بإبطال دعوة موسى فعدل إلى تذكيره بنعمة الفراعنة أسلافه على موسى وتخويفه من جنايته حسباناً بأن ذلك يقتلع الدعوة من جذمها ويكف موسى عنها ، وقصدُه من هذا الخطاب إفحام موسى كي يتلعثم من خشيةِ فرعون حيث أوجد له سبباً يتذرع به إلى قتله ويكون معذوراً فيه حيث كفر نعمة الولاية بالتربية ، واقترف جرم الجناية على الأنفس .

والاستفهام تقريري ، وجعل التقرير على نفي التربية مع أن المقصود الإقرار بوقوع التربية مجاراة لحال موسى في نظر فرعون إذ رأى في هذا الكلام جرأة عليه لا تناسب حال مَن هو ممنون لأُسرته بالتربية لأنها تقتضي المحبة والبر ، فكأنه يرخي له العنان بتلقين أن يجحد أنه مربًّى فيهم حتى إذا أقر ولم ينكر كان الإقرار سالماً من التعلل بخوف أو ضغط ، فهذا وجه تسليط الاستفهام التقريري على النفي في حينَ أن المقرر به ثابت . وهذا كما تقول للرجل الذي طال عهدك برؤيته : ألستَ فلاناً ، ومثله كثير . ومنه قول الحجاج في خطبته يوم دَيْر الجماجم يهدد الخوارج « ألستُم أصحابِي بالأهواز » .

والتقرير مستعمل في لازمه وهو أن يقابل المقرَّر عليه بالبر والطاعة لا بالجفاء ، ويجوز أن يجعل الاستفهام إنكارياً عليه لأن لسان حال مُوسى في نظر فرعون حال من يجحد أنه مربًّى فيهم ومن يظن نِسيانهم لفعلته فأنكر فرعون عليه ذلك ، وكلا الوجهين لا يخلو من تنزيل موسى منزلة من يجحد ذلك .

والتربية : كفالة الصبي وتدبير شؤونه . ومعنى { فينا } في عائلتنا ، أي عائلة ملك مصر . والوليد : الطفل من وقت ولادته وما يقاربها فإذا نمى لم يُسم وليداً وسمي طفلاً ، ويعني بذلك التقاطه من نهر النيل . وذلك أن موسى ربّي عند ( رعمسيس الثاني ) من ملوك العائلة التاسعة عشرة من عائلات فراعنة مصر حسب ترتيب المحققين من المؤرخين . وخرج موسى من مصر بعد أن قتل القبطّي وعمرُه أربعون سنة لقوله تعالى : { ولما بلغ أشُدَّه واستوى أتيناه حكماً } إلى قوله : { ودخل المدينة } [ القصص : 14 ، 15 ] الآية وبُعث وعمرُه ثمانون سنة حسبما في التوراة{[300]} . وكان فرعون الذي بعث إليه موسى هو ( منفتاح الثاني ابن رعمسيس الثاني ) وهو الذي خلفه في الملك بعد وفاته أواسط القرن الخامس عشر قبل المسيح ، فلا جرم كان موسى مربّى والده ، فلذلك قال له : ألم نُرَبِّك فينا وليداً ، ولعله رُبِّيَ مع فرعون هذا كالأخ .

والسنين التي لبثها موسى فيهم هي نحو أربعين سنة .


[300]:- انظر الإصحاح السابع من سفر الخروج.
 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{قَالَ أَلَمۡ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدٗا وَلَبِثۡتَ فِينَا مِنۡ عُمُرِكَ سِنِينَ} (18)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

فلما أتاه {قال} فرعون له: {ألم نربك فينا وليدا} يعني: صبيا {ولبثت فينا} يعني: عندنا {من عمرك سنين}...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

وفي هذا الكلام محذوف استغني بدلالة ما ظهر عليه منه، وهو: فأتيا فرعون فأبلغاه رسالة ربهما إليه، فقال فرعون: ألم نربك فينا يا موسى وليدا، ولبثت فينا من عمرك سنين؟ وذلك مكثه عنده قبل قتل القتيل الذي قتله من القبط.

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

وقول فرعون لموسى {ألم نُربّك} هو على جهة المن عليه والاحتقار، أي ربيناك صغيراً ولم نقتلك في جملة من قتلنا، {ولبثت فينا سنين}، فمتى كان هذا الذي تدعيه..

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

{قال} أي فرعون حين أبلغاه الرسالة مخاطباً لموسى عليه السلام علماً منه أنه الأصل فيها، وأخوه إنما هو وزير، منكراً عليه مواجهته بمثل هذا ومانّاً عليه ليكف من جرأته بتصويب مثل هذا الكلام إليه: {ألم نربك} أي بعظمتنا التي شاهدتها {فينا وليداً} أي صغيراً قريب عهد بالولادة {ولبثت فينا} أي لا في غيرنا، باعتبار انقطاعك إلينا، وتعززك في الظاهر بنا {من عمرك سنين} أي كثيرة، فلنا عليك بذلك من الحق ما ينبغي أن يمنعك من مواجهتنا بمثل هذا، وكأنه عبر بما يفهم النكد كناية عن مدة مقامه عنده بأنها كانت نكدة لأنه وقع فيما كان يخافه، وفاته ما كان يحتاط به من ذبح الأطفال.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

وإلى هنا نحن أمام مشهد البعثة والوحي والتكليف. ولكن الستار يسدل. لنجدنا أمام مشهد المواجهة. وقد اختصر ما هو مفهوم بين المشهدين على طريقة العرض القرآنية الفنية:

(قال ألم نربك فينا وليدا، ولبثت فينا من عمرك سنين؟ وفعلت فعلتك التي فعلت وأنت من الكافرين؟

قال: فعلتها إذن وأنا من الضالين. ففررت منكم لما خفتكم، فوهب لي ربي حكما وجعلني من المرسلين. وتلك نعمه تمنها علي أن عبدت بني إسرائيل).

ويعجب فرعون وهو يرى موسى يواجهه بهذه الدعوى الضخمة: (إنا رسول رب العالمين). ويطلب إليه ذلك الطلب الضخم! (أن أرسل معنا بني إسرائيل). فإن آخر عهده بموسى أنه كان ربيبا في قصره منذ أن التقطوا تابوته. وأنه هرب بعد قتله للقبطي الذي وجده يتعارك مع الإسرائيلي. وقيل: إن هذا القبطي كان من حاشية فرعون. فما أبعد المسافة بين آخر عهد فرعون بموسى إذن وهذه الدعوى الضخمة التي يواجهه بها بعد عشر سنين! ومن ثم بدأ فرعون متهكما مستهزئا مستعجبا:

(قال: ألم نربك فينا وليدا، ولبثت فينا من عمرك سنين؟ وفعلت فعلتك التي فعلت، وأنت من الكافرين).. فهل هذا جزاء التربية والكرامة التي لقيتها عندنا وأنت وليد؟ أن تأتي اليوم لتخالف ما نحن عليه من ديانة؟ ولتخرج على الملك الذي نشأت في بيته، وتدعو إلى إله غيره؟!

وما بالك -وقد لبثت فينا من عمرك سنين- لم تتحدث بشيء عن هذه الدعوى التي تدعيها اليوم؛ ولم تخطرنا بمقدمات هذا الأمر العظيم؟!

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

طوي من الكلام ذهاب موسى وهارون إلى فرعون واستئذانهما عليه وإبلاغهما ما أمرهما الله أن يقولا لفرعون إيجازاً للكلام. ووجَّه فرعون خطابه إلى موسى وحده لأنه علم من تفصيل كلام موسى وهارون أن موسى هو الرسول بالأصالة وأن هارون كان عوناً له على التبليغ فلم يشتغل بالكلام مع هارون. وأعرض فرعون عن الاعتناء بإبطال دعوة موسى فعدل إلى تذكيره بنعمة الفراعنة أسلافه على موسى وتخويفه من جنايته حسباناً بأن ذلك يقتلع الدعوة من جذمها ويكف موسى عنها، وقصدُه من هذا الخطاب إفحام موسى كي يتلعثم من خشيةِ فرعون حيث أوجد له سبباً يتذرع به إلى قتله ويكون معذوراً فيه حيث كفر نعمة الولاية بالتربية، واقترف جرم الجناية على الأنفس.

والاستفهام تقريري، وجعل التقرير على نفي التربية مع أن المقصود الإقرار بوقوع التربية مجاراة لحال موسى في نظر فرعون إذ رأى في هذا الكلام جرأة عليه لا تناسب حال مَن هو ممنون لأُسرته بالتربية لأنها تقتضي المحبة والبر، فكأنه يرخي له العنان بتلقين أن يجحد أنه مربًّى فيهم حتى إذا أقر ولم ينكر كان الإقرار سالماً من التعلل بخوف أو ضغط، فهذا وجه تسليط الاستفهام التقريري على النفي في حينَ أن المقرر به ثابت. وهذا كما تقول للرجل الذي طال عهدك برؤيته: ألستَ فلاناً، ومثله كثير...

والتقرير مستعمل في لازمه وهو أن يقابل المقرَّر عليه بالبر والطاعة لا بالجفاء، ويجوز أن يجعل الاستفهام إنكارياً عليه لأن لسان حال مُوسى في نظر فرعون حال من يجحد أنه مربًّى فيهم ومن يظن نِسيانهم لفعلته فأنكر فرعون عليه ذلك، وكلا الوجهين لا يخلو من تنزيل موسى منزلة من يجحد ذلك.

والتربية: كفالة الصبي وتدبير شؤونه. ومعنى {فينا} في عائلتنا، أي عائلة ملك مصر. والوليد: الطفل من وقت ولادته وما يقاربها فإذا نمى لم يُسم وليداً وسمي طفلاً، ويعني بذلك التقاطه من نهر النيل...

تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :

{قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيداً وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ} فنحن نعرفك منذ كنت طفلاً رضيعاً، وقد عشت معنا كما يعيش الولد في أحضان أهله، فهم يعرفون نقاط ضعفه، وطبيعة موهبته، ومدى إمكاناته الفكرية، وتطلعاته الروحية، وعلاقاته، ومواقعه، فمن أين جاءتك هذه الأفكار المثيرة، وكيف حدث لك مثل هذا الحدث الفجائي الذي تدَّعي وجوده في شخصيتك ما لم نلمح له أيّ أثر لديك في ملامح تطوّرك ونموّك على مستوى المعرفة والسلوك؟! فلست إلا واحداً من هذا الشعب الضعيف المسحوق الجاهل، الذي يدين بنعمته لمواقع الألوهية عندنا؛ ...