نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{قَالَ أَلَمۡ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدٗا وَلَبِثۡتَ فِينَا مِنۡ عُمُرِكَ سِنِينَ} (18)

ولما كان من المعلوم أنهما امتثلا ما أمرهما الله ، فأتياه وقالا له ما أمرا به ، تشوفت النفس إلى جوابه لهما ، فقال تعالى التفاتاً إلى مثل قوله في التي قبلها{ وقالوا ما لهذا الرسول يأكل الطعام }[ الفرقان : 7 ]

{ وإن يتخذونك إلا هزواً }[ الأنبياء : 36 ] ونحو ذلك تسلية لهذا النبي الكريم وتحقيقاً لمعنى قوله تعالى { كلا } و { مستمعون } من أن فرعون وإن بالغ في الإبراق والإرعاد لا يروع موسى عليه السلام شيء منه : { قال } أي فرعون حين أبلغاه الرسالة مخاطباً لموسى عليه السلام علماً منه أنه الأصل فيها ، وأخوه إنما هو وزير ، منكراً عليه مواجهته بمثل هذا ومانّاً عليه ليكف من جرأته بتصويب مثل هذا الكلام إليه : { ألم نربك } أي بعظمتنا التي شاهدتها { فينا وليداً } أي صغيراً قريب عهد بالولادة { ولبثت فينا } أي لا في غيرنا ، باعتبار انقطاعك إلينا ، وتعززك في الظاهر بنا { من عمرك سنين* } أي كثيرة ، فلنا عليك بذلك من الحق ما ينبغي أن يمنعك من مواجهتنا بمثل هذا ، وكأنه عبر بما يفهم النكد كناية عن مدة مقامه عنده بأنها كانت نكدة لأنه وقع فيما كان يخافه ، وفاته ما كان يحتاط به من ذبح الأطفال .