تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{فَأَنذَرۡتُكُمۡ نَارٗا تَلَظَّىٰ} (14)

وقوله : { فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى } قال مجاهد : أي توهج .

قال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة ، عن سِماك بن حرب ، سمعتُ النعمان بن بشير يخطب يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب يقول : " أنذركم النار [ أنذرتكم النار ، أنذرتكم النار ]{[30157]} حتى لو أن رجلا كان بالسوق لسمعه من مقامي هذا . قال : حتى وقعت خَميصة كانت على عاتقه عند رجليه{[30158]} .

وقال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة ، حدثني أبو إسحاق : سمعت النعمان ابن بشير يخطب ويقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن أهون أهل النار عذابًا يوم القيامة رجلٌ توضع في أخمص قدميه جمرتان يغلي منها دماغه " .

رواه البخاري{[30159]}

وقال مسلم : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا أبو أسامة ، عن الأعمش ، عن أبي إسحاق ، عن النعمان بن بشير قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن أهون أهل النار عذابًا من له نعلان وشراكان من نار يَغلي منهما دماغه كما يَغْلي المِرْجَل ، ما يرى أن أحدًا أشد منه عذابًا ، وإنه لأهونهم عذابا " {[30160]} .


[30157]:- (2) زيادة من م، أ، والمسند.
[30158]:- (3) المسند (4/272).
[30159]:- (4) المسند (4/274) وصحيح البخاري برقم (6561، 6562).
[30160]:- (5) صحيح مسلم برقم (213).
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{فَأَنذَرۡتُكُمۡ نَارٗا تَلَظَّىٰ} (14)

يجوز أن تكون الفاء لمجرد التفريع الذِكري إذا كان فعل : « أنذرتكم » مستعملاً في ماضيه حقيقةً وكان المراد الإِنذار الذي اشتمل عليه قوله : { وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى } إلى قوله : { تردى } [ الليل : 8 11 ] . وهذه الفاء يشبه معناها معنى فاء الفصيحة لأنها تدلّ على مراعاة مضمون الكلام الذي قبلها وهو تفريع إنذار مفصَّللٍ على إنذارٍ مجمل .

ويجوز أن تكون الفاء للتفريع المعنوي فيكون فعلُ « أنذرتكم » مراداً به الحال وإنما صيغ في صيغة المضي لتقريب زمان الماضي من الحال كما في : قد قَامت الصلاة ، وقولهم : عزمت عليك إلاّ ما فعلت كذا ، أي أعزم عليك ، ومثل ما في صيغ العقود : كبعتُ ، وهو تفريع على جملة : { إن علينا للهدى } [ الليل : 12 ] والمعنى : هديكم فأنذرتكم إبلاغاً في الهدى .

وتنكير { ناراً } للتهويل ، وجملة { تلظى } نعت . وتلظى : تلتهب من شدة الاشتعال . وهو مشتق من اللّظى مصدر : لَظَيَتْ النار كرَضيتْ إذا التهبت ، وأصل { تلظى } تتلظى بتاءين حذفت إحداهما للاختصار .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{فَأَنذَرۡتُكُمۡ نَارٗا تَلَظَّىٰ} (14)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{ فأنذرتكم } يا أهل مكة { نارا تلظى } يعني تتوقد وتشتعل...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

فأنذرتكم أيها الناس نارا تتوهّج ، وهي نار جهنم ، يقول : احذروا أن تعصوا ربكم في الدنيا ، وتكفروا به ، فتَصْلَونها في الآخرة ...

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

أي نارا تتوقد ، وتتشعب ، على ما ذكر من صفتها . ثم الإنذار يكون للفريقين لأهل التوحيد ولأهل الشرك جميعا ، والله أعلم . ...

التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :

وعيد من الله تعالى للمكلفين . تقول خوفتكم المعاصي التي تؤديكم إلى نار تلظى ... والتلظي: تلهب النار بشدة الإيقاد ...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

{ فأنذرتكم } أي حذرتكم أيها المخالفون للطريق الذي بينته { ناراً تلظّى } أي تتقد وتتلهب تلهباً هو في غاية الشدة من غير كلفة فيه على موقدها أصلاً ولا أحد من خزنتها - بما أشار إليه إسقاط التاء ، وفي الإدغام أيضاً إشارة إلى أن أدنى نار الآخرة كذلك ، فيصير إنذار ما يتلظى وما فوق ذلك من باب الأولى . ...

أضواء البيان في تفسير القرآن بالقرآن للشنقيطي 1393 هـ :

أي تتلظى ، واللظى : اللهب الخالص ، وفي وصف النار هنا بلظى مع أن لها صفات عديدة منها : السعير ، وسقر ، والجحيم ، والهاوية ، وغير ذلك . وذكر هنا صنفاً خاصاً ، وهو من كذب وتولى ، كما تقدم في موضع آخر في وصفها أيضاً بلظى في قوله تعالى : { إِنَّهَا لَظَى نَزَّاعَةً لِّلشَّوَى } ، ثم بين أهلها بقوله : { تَدْعُواْ مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى وَجَمَعَ فَأَوْعَى } . وهو كما هو هنا { فَأَنذَرْتُكُمْ نَاراً تَلَظَّى لاَ يَصْلاهَا إِلاَّ الأشْقَى الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى } ، وهو المعنى في قوله قبله : { وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى } ، مما يدل أن للنار عدة حالات أو مناطق أو منازل ، كل منزلة تختص بصنف من الناس ، فاختصت لظى بهذا الصنف ، واختصت سقر بمن لم يكن من المصلين ، وكانوا يخوضون مع الخائضين ، ونحو ذلك . ويشهد له قوله : { إِنَّ الْمُنَافِقِينَ في الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ } ، كما أن الجنة منازل ودرجات ، حسب أعمال المؤمنين ، واللَّه تعالى أعلم . ...