تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ لَهُمۡ أَجۡرٌ غَيۡرُ مَمۡنُونٖ} (8)

ثم قال بعد ذلك : { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ } قال مجاهد وغيره : لا مقطوع ولا مجبوب{[25629]} ، كقوله : { مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا } [ الكهف : 3 ] ، وكقوله تعالى { عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ } [ هود : 108 ] .

وقال السدي : غير ممنون عليهم . وقد رد عليه بعض الأئمة هذا التفسير ، فإن المنة لله على أهل الجنة ؛ قال الله تعالى : { بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإيمَانِ } [ الحجرات : 17 ] ، وقال أهل الجنة : { فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ } [ الطور : 27 ] ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل " .


[25629]:- (3) في أ: "غير مقطوع ولا محسوب".
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ لَهُمۡ أَجۡرٌ غَيۡرُ مَمۡنُونٖ} (8)

استئناف بياني نشأ عن الوعيد الذي تُوُعّد به المشركون بعد أن أُمروا بالاستقامة إلى الله واستغفارِه عما فرط منهم ، كأنَّ سائلاً يقول : فإن اتعظوا وارتدعوا فماذا يكون جزاؤهم ، فأفيد ذلك وهو أنهم حينئذٍ يكونون من زمرة { الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم أجر غير ممنون } ، وفي هذا تنويه بشأن المؤمنين .

وتقديم { لهم } للاهتمام بهم .

والأجر : الجزاء النافع ، عن العمل الصالح ، أو هو ما يُعطُوْنه من نعيم الجنة .

والممنون : مفعول من المَنّ ، وهو ذِكر النعمة للمنعَم عليه بها ، والتقدير غير ممنون به عليهم ، وذلك كناية عن كونهم أُعطُوه شكراً لهم على ما أسلفوه من عمل صالح فإن الله غفور شكور ، يعني : أن الإِنعام عليهم في الجنة ترافقه الكرامة والثناء فلا يُحسون بخجل العطاء ، وهو من قبيل قوله : { لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى } [ البقرة : 264 ] ، فأجرهم بمنزلة الشيء المملوك لهم الذي لم يعطه إياهم أحد وذلك تفضل من الله ، وقريب منه قول لبيد :

غُضْفٌ كواسبُ لا يُمَنُّ طعامها

أي تأخذ طعامها بأنفسها فلا منّة لأحد عليها .