تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{۞وَأَوۡحَيۡنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰٓ أَنۡ أَسۡرِ بِعِبَادِيٓ إِنَّكُم مُّتَّبَعُونَ} (52)

لما طال مُقام موسى ، عليه السلام ، ببلاد مصر ، وأقام بها حُجَج الله{[21726]} وبراهينه على فرعون وملئه ، وهم مع ذلك يكابرون ويعاندون ، لم يبق لهم إلا العذاب والنكال ، فأمر الله موسى ، عليه السلام ، أن يخرج ببني إسرائيل ليلا من مصر ، وأن يمضي بهم حيث يؤُمَر ، ففعل موسى ، عليه السلام ، ما أمره به ربه عز وجل . خرج بهم بعدما استعاروا من قوم فرعون حليا كثيرا ، وكان خروجه بهم ، فيما ذكر غير واحد من المفسرين ، وقت طلوع القمر . وذكر مجاهد ، رحمه الله ، أنه كُسِف القمر تلك الليلة ، فالله أعلم ، وأن موسى ، عليه السلام ، سأل عن قبر يوسف ، عليه السلام ، فدلته امرأة عجوز من بني إسرائيل عليه ، فاحتمل تابوته معهم ، ويقال : إنه هو الذي حمله بنفسه ، عليهما السلام ، وكان يوسف قد أوصى بذلك إذا خرج بنو إسرائيل أن يحملوه{[21727]} معهم ، وقد ورد في ذلك حديث رواه ابن أبي حاتم ، رحمه الله ، فقال :

حدَّثنا علي بن الحسين ، حدثنا عبد الله بن عمر{[21728]} بن أبان بن صالح ، حدثنا ابن فضيل{[21729]} عن عبد الله{[21730]} بن أبي إسحاق ، عن ابن أبي بردة ، عن أبيه ، عن أبي موسى قال : نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بأعرابي فأكرمه ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : تعاهدنا . فأتاه الأعرابي فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما حاجتك ؟ " قال{[21731]} ناقة برحلها وأعنز{[21732]} يحتلبها أهلي ، فقال : " أعجزت أن تكون مثل عجوز بني إسرائيل ؟ " فقال له أصحابه : وما عجوز بني إسرائيل يا رسول الله ؟ قال : " إن موسى لما أراد أن يسير ببني إسرائيل أضل الطريق ، فقال لبني إسرائيل : ما هذا ؟ فقال له علماء بني إسرائيل : نحن نحِّدثك أن يوسف عليه السلام لما حضره الموت أخذ علينا موثقًا من الله ألا نخرج من مصر حتى ننقل تابوته معنا ، فقال لهم موسى : فأيكم يدري أين قبر يوسف ؟ قالوا : ما يعلمه إلا عجوز لبني إسرائيل . فأرسل إليها فقال{[21733]} لها : دليني على قبر يوسف . فقالت : والله لا أفعل حتى تعطيني حكمي . قال لها : وما حكمك ؟ قالت{[21734]} : حكمي أن أكون معك في الجنة . فكأنه ثقل عليه ذلك ، فقيل له : أعطها حكمها . قال : فانطلقت معهم إلى بحيرة - مستنقع ماء - فقالت لهم : أنضبوا هذا الماء . فلما أنضبوه قالت : احتفروا ، {[21735]} فلما احتفروا استخرجوا قبر يوسف ، فلما احتملوه إذا الطريق مثل ضوء النهار{[21736]} " .

هذا حديث غريب جدًا ، والأقرب أنه موقوف ، والله أعلم .


[21726]:- في ف : "وأقام حجج الله بها"
[21727]:- في أ : "يحتملوه".
[21728]:- في هـ : "عبد الله بن عمر بن محمد بن أبان".
[21729]:- في هـ : "فضل" والمثبت من أ.
[21730]:- في أ : "يونس".
[21731]:- في ف ، أ "فقال".
[21732]:- في أ : "وأعنق".
[21733]:- في أ : "وقال".
[21734]:- في أ : "قال".
[21735]:- في أ : "احفروا".
[21736]:- ورواه أبو يعلى في مسنده (13/236) وابن حبان في صحيحه برقم (2435) "موارد" ، والحاكم في المستدرك (2/571) من طريق محمد بن فضيل ، عن يونس بن أبي إسحاق ، عن أبي بردة عن أبي موسى به. وقال الهيثمي في المجمع (10/170) : "رجال أبي يعلى رجال الصحيح".
 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{۞وَأَوۡحَيۡنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰٓ أَنۡ أَسۡرِ بِعِبَادِيٓ إِنَّكُم مُّتَّبَعُونَ} (52)

ثم إن الله عز وجل لما أراد إظهار أمره في نجاة بني إسرائيل وغرق فرعون وقومه أمر موسى أن يخرج بني إسرائيل ليلاً من مصر ، وأخبر أنهم سيتبعون وأمره بالسير تجاه البحر ، وأمره بأن يستعير بنو إسرائيل حلي القبط وأموالهم وأن يستكثروا من أخذ أموالهم كيف ما استطاعوا هذا فيما رواه بعض المفسرين ، وأمره باتخاذ خبز الزاد ، فروي أنه أمر باتخاذه فطيراً لأنه أبقى وأثبت ، وروي أن الحركة أعجلتهم عن اختمار خبز الزاد ، وخرج موسى عليه السلام ببني إسرائيل سحراً فترك الطريق إلى الشام على يساره وتوجه نحو البحر ، فكان الرجل من بني إسرائيل يقول له في ترك الطريق فيقول موسى هكذا أمرت ، فلما أصبح فرعون وعلم بسرى موسى ببني إسرائيل خرج في أثرهم وبعث إلى مدائن مصر لتلحقه العساكر ، فروي أنه لحقه ومعه ستمائة ألف أدهم من الخيل حاشى سائر الألوان ، وروي أن بني إسرائيل كانوا ستمائة ألف وسبعين ألفاً قاله ابن عباس والله أعلم بصحته ، وإنما اللازم من الآية الذي يقطع به أن موسى عليه السلام خرج بجمع عظيم من بني إسرائيل وأن فرعون تبعه بأضعاف ذلك العدد ، قال ابن عباس كان مع فرعون ألف جبار كلهم عليه تاج وكلهم أمير خيل .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{۞وَأَوۡحَيۡنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰٓ أَنۡ أَسۡرِ بِعِبَادِيٓ إِنَّكُم مُّتَّبَعُونَ} (52)

هذه قصة أخرى من أحوال موسى في دعوة فرعون ، فالواو لعطف القصة ولا تفيد قرب القصة من القصة ، فقد لبث موسى زمناً يطالب فرعون بإطلاق بني إسرائيل ليخرجُوا من مصر ، وفرعون يماطل في ذلك حتى رأى الآياتتِ التسعَ كما تقدم في سورة الأعراف . ونظير بعض هذه الآية تقدم في سورة طه . وزادت هذه بقوله : { إنكم متبعون } ، أي أعلم الله موسى أن فرعون سيتبعهم بجنده كما في آية سورة طه . والقصد من إعلامه بذلك تشجيعه .

وقرأ نافع وابن كثير وأبو جعفر { اِسْرِ } بهمزة وصل فعلَ أمر من ( سَرى ) وبكسر نون { أن } . لأجل التقاء الساكنين . وقرأ الباقون بهمزة قطع وسكون نون ( أنْ ) وفعلا سرى وأسرى متحدان كما تقدم في قوله تعالى : { سبحان الذي أسرى } [ الإسراء : 1 ] .