السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{۞وَأَوۡحَيۡنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰٓ أَنۡ أَسۡرِ بِعِبَادِيٓ إِنَّكُم مُّتَّبَعُونَ} (52)

ولما ظهر من أمر فرعون ما شاهدوه وخيف أن يقع منه ببني إسرائيل وهم الذين آمنوا وكانوا في قوم موسى عليه السلام ما يؤدّي إلى الاستئصال أمره الله تعالى أن يسري بهم كما قال تعالى : { وأوحينا } أي : بما لنا من العظمة حين أردنا فصل الأمر وإنجاز الموعود { إلى موسى أن أسر } ليلاً { بعبادي } وذلك بعد سنين أقام بين أظهرهم يدعوهم إلى الحق ويظهر لهم الآيات فلم يزيدوا إلا عتوّاً وفساداً ، وقرأ نافع وابن كثير بكسر النون ووصل الهمزة بعدها من سرى ، وقرأ الباقون بسكون النون وقطع الهمزة بعدها ، ثم علل أمره له بالسير في الليل بقوله تعالى : { إنكم متبعون } أي : لا تظنّ أنهم لكثرة ما رأوا من الآيات يكفون عن اتباعكم فأسرع بالخروج لتبعدوا عنهم إلى الموضع الذي قدرت في الأزل أن يظهر بحري ، والمراد : يوافقهم عند البحر ، ولم يكتم إتباعهم عن موسى لعدم تأثره به ، والمعنى : أني بنيت تدبير أمركم وأمرهم على أن تتقدّموا ويتبعوكم حتى يدخلوا مدخلكم ويسلكوا مسلككم من طريق البحر فأطبقه عليهم .

روي : أنه مات في تلك الليلة في كل بيت من بيوتهم ولد فاشتغلوا بموتاهم حتى خرج موسى بقومه . وروي أنّ الله تعالى أوحى إلى موسى أن أجمع بني إسرائيل كل أربعة أبيات في بيت ثم اذبحوا الجداء واضربوا بدمائها أبوابكم فإني سآمر الملائكة أن لا يدخلوا بيتاً على بابه دم وآمرهم بقتل أبكار القبط واختبزوا خبزاً فطيراً فإنه أسرع لكم ، ثم أسر بعبادي حتى تنتهي إلى البحر فيأتيك أمري ، وروي أنّ قوم موسى قالوا لقوم فرعون إن لنا في هذه الليلة عيداً ثم استعاروا منهم حليهم بهذا السبب ثم خرجوا بتلك الأموال في الليل إلى جانب البحر .