الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي - السيوطي  
{۞وَأَوۡحَيۡنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰٓ أَنۡ أَسۡرِ بِعِبَادِيٓ إِنَّكُم مُّتَّبَعُونَ} (52)

أخرج ابن أبي حاتم عن السدي رضي الله عنه قال : ثم إن الله أمر موسى أن يخرج ببني إسرائيل فقال { أسر بعبادي ليلاً } فأمر موسى بني إسرائيل أن يخرجوا ، وأمرهم أن يستعيروا الحلي من القبط ، وأمر أن لا ينادي أحد منهم صاحبه ، وأن يسرجوا في بيوتهم حتى الصبح ، وأن من خرج منهم أمام بابه يكب من دم حتى يعلم أنه قد خرج ، وأن الله قد أخرج كل ولد زنا في القبط من بني إسرائيل إلى بني إسرائيل ، وأخرج كل ولد زنا في بني إسرائيل من القبط حتى أتوا آباءهم . ثم خرج موسى ببني إسرائيل ليلاً والقبط لا يعلمون ، وألقى على القبط الموت فمات كل بكر رجل منهم ، فأصبحوا يدفنونهم فشغلوا عن طلبهم حتى طلعت الشمس ، وخرج موسى في ستمائة ألف وعشرين ألفاً . لا يعدون ابن عشرين لصغره ، ولا ابن ستين لكبره ، وإنما عدوا ما بين ذلك سوى الذرية .

وتبعهم فرعون على مقدمته هامان في ألف ألف وسبعمائة ألف حصان ليس فيها ماذيانة وذلك حين يقول الله { فأرسل فرعون في المدائن حاشرين ، إن هؤلاء لشرذمة قليلون } فكان موسى على ساقة بني إسرائيل ، وكان هارون أمامهم يقدمهم فقال المؤمن لموسى : أين أمرت ؟ قال : البحر . فأراد أن يقتحم فمنعه موسى .

فنظرت بنو إسرائيل إلى فرعون قد ردفهم قالوا : يا موسى { إنا لمدركون } قال موسى { كلا إن معي ربي سيهدين } يقول : سيكفين . فتقدم هارون فضرب البحر فأبى البحر أن ينفتح وقال : من هذا الجبار الذي يضربني ؟ حتى أتاه موسى ، فكناه أبا خالد وضربه { فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم } يقول : كالجبل العظيم ، فدخلت بنو إسرائيل وكان في البحر اثنا عشر طريقاً في كل طريق سبط ، وكانت الطرق إذا انفلقت بجدران فقال كل سبط : قد قتل أصحابنا . فلما رأى ذلك موسى صلى الله عليه وسلم دعا الله ، فجعلها لهم قناطر كهيئة الطبقات ينظر آخرهم إلى أولها حتى خرجوا جميعاً ، ثم دنا فرعون وأصحابه فلما نظر فرعون إلى البحر منفلقاً قال : ألا ترون إلى البحر منفلقاً قد فرق مني ، فانفتح لي حتى أدرك أعدائي فاقتلهم ، فلما قام فرعون على أفواه الطرق أبت خيله أن تقتحم ، فنزل على ماذيانة ، فشامت الحصن ريح الماذيانة فاقتحمت في أثرها حتى إذا هم أولهم أن يخرج ودخل آخرهم . أمر الله البحر أن يأخذهم ، فالتطم عليهم وتفرد جبريل بفرعون يمقله من مقل البحر ، فجعل يدسها في فيه .