تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{إِنَّهُۥ لَقَوۡلُ رَسُولٖ كَرِيمٖ} (40)

يقول تعالى مُقسمًا لخلقه بما يشاهدونه من آياته في مخلوقاته الدالة على كماله في أسمائه وصفاته ، وما غاب عنهم مما لا يشاهدونه من المغيبات عنهم : إن القرآن كلامُه ووحيه وتنزيلُه على عبده ورسوله ، الذي اصطفاه لتبليغ الرسالة وأداء الأمانة ، فقال : { فَلا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ وَمَا لا تُبْصِرُونَ إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ } يعني : محمدًا ، أضافه إليه على معنى التبليغ ؛ لأن الرسول من شأنه أن يبلغ عن المرسل ؛ ولهذا أضافه في سورة التكوير إلى الرسول الملكي : { إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ } وهذا جبريل ، عليه السلام .

ثم قال : { وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ } يعني : محمدًا صلى الله عليه وسلم { وَلَقَدْ رَآهُ بِالأفُقِ الْمُبِينِ } يعني : أن محمدا رأى جبريل على صورته التي خلقه الله عليها ، { وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ } أي : بمتهم { وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ } [ التكوير : 19 - 25 ] ، وهكذا قال هاهنا : { وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلا مَا تُؤْمِنُونَ وَلا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلا مَا تَذَكَّرُونَ } ،

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{إِنَّهُۥ لَقَوۡلُ رَسُولٖ كَرِيمٖ} (40)

إنه إن القرآن لقول رسول يبلغه عن الله تعالى فإن الرسول لا يقول عن نفسه كريم على الله تعالى وهو محمد أو جبريل عليهما الصلاة والسلام .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{إِنَّهُۥ لَقَوۡلُ رَسُولٖ كَرِيمٖ} (40)

وضمير { إنه } عائد إلى القرآن المفهوم من ذكر الحشر والبعث ، فإن ذلك مما جاء به القرآن ومجيئه بذلك من أكبر أسباب تكذيبهم به ، على أن إرادة القرآن من ضمائر الغيبة التي لا معاد لها قد تكرر غير مرة فيه .

وتأكيد الخبر بحرف ( إنَّ ) واللاممِ للرد على الذين كذبوا أن يكون القرآن من كلام الله ونسبوه إلى غير ذلك .

والمراد بالرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم كما يقتضيه عطف قوله : { ولو تَقَول علينا بعض الأقاويل } [ الحاقة : 44 ] ، وهذا كما وصف موسى ب { رسول كريم في قوله تعالى : { ولقد فتنا قبلهم قوم فرعون وجاءَهم رسول كريم } [ الدخان : 17 ] وإضافة { قول } إلى { رسول } لأنه الذي بلّغه فهو قائله ، والإِضافة لأدنى ملابسة وإلاّ فالقرآن جَعَله الله تعالى وأجَراه على لسان النبي صلى الله عليه وسلم كما صدر من جبريل بإيحائه بواسطته قال تعالى : { فإنما يسرناه بلسانك } [ مريم : 97 ] .

رَوي مقاتل أن سبب نزولها : أن أبا جهل قال : إن محمداً شاعر ، وأن عقبة بن أَبي مُعيط قال : هو كاهن ، فقال الله تعالى : { إنه لقول رسول كريم } الآية .

ويجوز أن يراد ب { رسول كريم } جبريل عليه السلام كما أريد به في سورة التكوير إذ الظاهر أن المراد به هنالك جبريل كما يأتي .

وفي لفظ { رسول } إيذان بأن القول قول مُرسله ، أي الله تعالى ، وقد أكد هذا المعنى بقوله عقبه { تنزيل من رب العالمين .

ووصف الرسول ب { كريم } لأنه الكريم في صنفه ، أي النفيس الأفضل مثل قوله : { إني أُلقي إليّ كتاب كريم } في سورة النمل ( 29 ) .