تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَلَا بِقَوۡلِ كَاهِنٖۚ قَلِيلٗا مَّا تَذَكَّرُونَ} (42)

/ن41

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَلَا بِقَوۡلِ كَاهِنٖۚ قَلِيلٗا مَّا تَذَكَّرُونَ} (42)

ولا بقول كاهن كما تدعون أخرى قليلا ما تذكرون تذكرون تذكرا قليلا فلذلك يلتبس الأمر عليكم وذكر الإيمان مع نفي الشاعرية وللتذكر مع نفي الكاهنية لأن عدم مشابهة القرآن للشعر أمر بين لا ينكره إلا معاند بخلاف مباينته للكهانة فإنها تتوقف على تذكر أحوال الرسول ومعاني القرآن المنافية لطريقة الكهنة ومعاني أقوالهم وقرأ ابن كثير ويعقوب بالياء فيهما .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَلَا بِقَوۡلِ كَاهِنٖۚ قَلِيلٗا مَّا تَذَكَّرُونَ} (42)

وعطف { ولا بقول كاهن } على جملة الخبر في قوله : { بقول شاعر ، } و { لا } النافية تأكيد لنفي { ما } .

وكني بنفي أن يكون قولَ شاعر ، أو قول كاهن عن تنزيه النبي صلى الله عليه وسلم عن أن يكون شاعراً أو كاهناً ، رد لقولهم : هو شاعر أو هو كاهن .

وإنما خص هذان بالذكر دون قولهم : افتراه ، أو هو مجنون ، لأن الوصف بكريم كاف في نفي أن يكون مجنوناً أو كاذباً إذ ليس المجنون ولا الكاذب بكريم ، فأما الشاعر والكاهن فقد كانا معدودين عندهم من أهل الشرف .

والمعنى : ما هو قول شاعر ولا قول كاهن تلقاه من أحدهما ونسبَه إلى الله تعالى .

و { قليلاً } في قوله : { قليلاً ما تؤمنون قليلاً ما تذكَّرون } مراد به انتفاء ذلك من أصله على طريقة التمليح القريب من التهكم كقوله : { فلا يؤمنون إلاّ قليلاً } [ النساء : 46 ] ، وهو أسلوب عربي ، قال ذو الرمة :

أُنيحَتْ ألْقَتْ بَلْدَةً فوق بَلْدةٍ *** قَلِيلٍ بها الأصواتُ إلاّ بُغَامُها

فإن استثناء بُغام راحلته دل على أنه أراد من ( قليل ) عدم الأصوات .

والمعنى : لا تؤمنون ولا تذكرون ، أي عندما تقولون هو شاعر وهو مجنون ، ولا نظر إلى إيمان من آمن منهم من بعدُ . وقد تقدم في سورة البقرة ( 88 ) قوله : { فقليلاً ما يؤمنون } .

وانتصب قليلاً في الموضعين على الصفة لمصدر محذوف يدل عليه { تؤمنون } و { تذكَّرون } أي تؤمنون إيماناً قليلاً ، وتذكَّرون تذكراً قليلاً .

و { ما } مزيدة للتأكيد كقول حاتم الطائي :

قليلاً به ما يَحْمَدَنَّك وَارث *** إذَا نال مما كنتَ تَجمع مَغْنَمَا

وجملتَا { قليلاً ما تؤمنون قليلاً ما تذَّكَّرون } معترضتان ، أي انتفى أن يكون قول شاعر ، وانتفى أن يكون قول كاهن ، وهذا الانتفاء لا يحصِّل إيمانكم ولا تذكركم لأنكم أهل عناد .

وقرأ الجمهور { ما تؤمنون ، وما تذكرون } كليهما بالمثناة الفوقية ، وقرأهما ابن كثير وهشام عن ابن عامر ( واختلف الرواة عن ابن ذكوان عن ابن عامر ) ويعقوبُ بالياء التحتية على الالتفات من الخطاب إلى الغيبة ، وحسَّن ذلك كونُهما معترضتين .

وأوثر نفي الإِيمان عنهم في جانب انتفاء أن يكون قول شاعر ، ونفي التذكُّر في جانب انتفاء أن يكون قول كاهن ، لأن نفي كون القرآن قول شاعر بديهي إذ ليس فيه ما يشبه الشعر من اتزان أجزائه في المتحرك والساكن والتقفية المتماثلة في جميع أواخرِ الأجزاء ، فادعاؤهم أنه قول شاعر بهتان متعمَّد ينادي على أنهم لا يُرجى إيمانهم ، وأما انتفاء كون القرآن قولَ كاهن فمحتاج إلى أدنى تأمل إذ قد يشبَّه في بادىء الرأي على السامع من حيث إنه كلام منثور مؤلف على فواصل ويؤلف كلام الكهان على أسجاع مثناة متماثلة زوجين زوجين ، فإذا تأمل السامع فيه بأدنى تفكر في نظمه ومعانيه عَلم أنه ليس بقول كاهن ، فنظمُه مخالف لنظم كلام الكهان إذ ليست فقراته قصيرة ولا فواصله مزدوجة ملتزم فيها السجع ، ومعانيه ليست من معاني الكهانة الرامية إلى الإِخبار عما يحدث لبعض الناس من أحداث ، أو ما يلم بقوم من مصائب متوقعة ليحذروها ، فلذلك كان المخاطبون بالآية منتفياً عنهم التذكر والتدبر ، وإذا بطل هذا وذاك بطل مدعاهم فحق أنه تنزيل من رب العالمين كما ادعاه الرسول الكريم عليه الصلاة والتسليم .