تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{كَذَّبَتۡ قَوۡمُ نُوحٍ ٱلۡمُرۡسَلِينَ} (105)

هذا إخبار من الله ، عز وجل ، {[21794]} عن عبده ورسوله نوح ، عليه السلام ، وهو أول رسول بُعث إلى الأرض بعدما عبدت الأصنام والأنداد ، بعثه الله ناهيًا عن ذلك ، ومحذرًا من وَبيل عقابه ، فكذبه قومه واستمروا على ما هم عليه من الفعال الخبيثة في عبادتهم أصنامهم ، ويتنزل{[21795]} تكذيبهم له بمنزلة تكذيب جميع الرسل ؛ ولهذا قال : { كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ }


[21794]:- في ف ، أ : "تعالى"
[21795]:- في أ : "وتنزل".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{كَذَّبَتۡ قَوۡمُ نُوحٍ ٱلۡمُرۡسَلِينَ} (105)

القول في تأويل قوله تعالى : { كَذّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلاَ تَتّقُونَ * إِنّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ } .

يقول تعالى ذكره : كَذّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ رسل الله الذين أرسلهم إليهم لما قالَ لَهُمْ أخُوهُمْ نُوحٌ ألاَ تَتّقُونَ فتحذروا عقابه على كفركم به ، وتكذيبكم رسله إنّي لَكُمْ رَسُولٌ من الله أمِينٌ على وحيه إليّ ، برسالته إياي إليكم .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{كَذَّبَتۡ قَوۡمُ نُوحٍ ٱلۡمُرۡسَلِينَ} (105)

استئناف لتسلية الرسول صلى الله عليه وسلم ناشىءٌ عن قوله : { وما كان أكثرهم مؤمنين } [ الشعراء : 103 ] أي لا تأسَ عليهم ولا يعظُمْ عليك أنهم كذّبوك فقد كذبت قوم نوح المرسلين ؛ وقد علم العرب رسالةَ نوح ، وكذلك شأن أهل العقول الضالّة أنهم يعرفون الأحوال وينسون أسبابها .

وأنث الفعل المسند إلى قوم نوح لتأويل { قوم } بمعنى الأمة أو الجماعة كما يقال : قالت قريش ، وقالت بنو عامر ، وذلك قياس في كل اسم جَمع لا واحد له من لفظه إذا كان للآدمي مثل نَفَر ورهْط ، فأما إذا كان لغير الآدميين نحو إبل فمؤنث لا غير . قاله الجوهري وتبعه صاحب « اللسان » و« المصباح » .

ووقع في « الكشاف » هذه العبارة « القومُ مؤنثة وتصغيرُها قُويمة » فظاهر عبارته أن هذا اللفظ مؤنث المعنى في الاستعمال لا غير ، وهذَا لم يقله غيره وسكت شراحه عليه ولم يعرج الزمخشري عليه في « الأساس » فإن حمل على ظاهر العبارة فهو مخالف لكلام الجوهري وابن سيده . ويحتمل أنه أراد جواز تأنيث ( قوم ) وأنه يجوز أن يصغر على قويمة فيُجمع بين كلامه وكلام الجوهري وابن سيده ، وهو احتمال بعيد من ظاهر كلامه الموكَّد بقوله : وتصغيره قُويمة ، لما هو مقرر من أن التصغير يرد الأسماء إلى أصولها . وأيّاً مّا كان فهو صريح في أن تأنيثه ليس بتأويله بمعنى الأمة لأن التأويل اعتبار للمتكلم فلا يكون له أثر في إجراء الصيغ مثل التصغير ، فإن الصيغ من آثار الوضع دون الاستعمال ، ألا ترى أنه لا تجعل للمعاني المجازية صيغ خاصة بالمجاز .

وجُمع { المرسلين } وإنما كذَّبوا رسولاً واحداً أولَ الرسل ولم يكن قبله رسول وهم أول المكذّبين ، فإنما جُمع لأن تكذيبهم لم يكن لأجل ذاته ولكنه كان لإحالتهم أن يرسل الله بشراً ، وأن تكون عبادة أصنامهم ضلالاً فكان تكذيبهم إياه مقتضياً تكذيب كل رسول لأن كل رسول يقول مثل ما قاله نوح عليه السلام ، ولذلك تكرر في قوله : { كذبت عاد المرسلين } [ الشعراء : 123 ] وما بعده . وقد حكي تكذيبهم أن يكون الرسول بشراً في قوله : { أَوَعَجِبْتم أن جاءكم ذِكْر من ربكم على رجل منكم لينذركم } في [ الأعراف : 63 ] .

وسيأتي حكاية تكذيب عاد وثمود وقوم لوط وأصحاب لَيْكة على هذا النمط فيما تكرر من قوله : { كذبت } وقوله : { المرسلين } .