السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{كَذَّبَتۡ قَوۡمُ نُوحٍ ٱلۡمُرۡسَلِينَ} (105)

ولما أتم سبحانه وتعالى قصة الأب الأعظم الأقرب إبراهيم عليه السلام أتبعها بقصة الأب الثاني وهو نوح عليه السلام وهي القصة الثالثة مقدمها لها على غيرها لما له من القدم في الزمان إعلاماً بأنّ البلاء قديم ولأنها أدل على صفتي الرحمة والنعمة اللتين هما أثراً الغرة بطول الإملاء لهم على طول مدتهم ثم تعميم النعمة مع كونهم جميع أهل الأرض فقال : { كذبت قوم نوح } وهم أهل الأرض كلها من الآدميين قبل اختلاف الأمم بتفرّق اللغات { المرسلين } أي : بتكذيبهم نوحاً عليه السلام لأنه أقام الدليل على نبوته بالمعجزة ومن كذب بالمعجزة فقد كذب بجميع المعجزات لتساوي أقدامها في الدلائل على صدق الرسول ، وقد سئل الحسن البصري عن ذلك فقال : من كذب واحداً من الرسل فقد كذب الكل لأنّ الأخير جاء بما جاء به الأوّل .

تنبيه : القوم يؤنث باعتبار معناه ولذا يصغر على قويمة ، ويذكر باعتبار لفظه وتذكيره أشهر ، واختير التأنيث ههنا للتنبيه على أن فعلهم أخس الأفعال وإلى أنهم مع عتوّهم وكثرتهم كانوا عليه سبحانه وتعالى أهون شيء وأضعفه بحيث جعلهم هباءً منثوراً وكذا من بعدهم ولأجل التسلية عبر بالتكذيب في كل قصة .