تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{قَالَ لِمَنۡ حَوۡلَهُۥٓ أَلَا تَسۡتَمِعُونَ} (25)

فعند ذلك قال موسى لما سأله عن رب العالمين : { قَالَ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا }أي : خالق جميع ذلك ومالكه ، والمتصرف فيه وإلهه ، لا شريك له ، هو الله الذي خلق الأشياء كلها ، العالم العلوي وما فيه من الكواكب الثوابت والسيارات النيرات ، والعالم السفلي وما فيه من بحار وقفار ، وجبال وأشجار ، وحيوان ونبات وثمار ، وما بين ذلك من الهواء والطيور ، وما يحتوي عليه الجو ، الجميع{[21706]} عبيد له خاضعون ذليلون .

{ إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ } أي : إن كانت لكم قلوب موقنة ، وأبصار نافذة . فعند ذلك التفت فرعون إلى مَنْ حوله من مَلَئه ورؤساء دولته قائلا لهم ، على سبيل التهكم والاستهزاء والتكذيب لموسى فيما قاله : { أَلا تَسْتَمِعُونَ } أي : ألا تعجبون مما يقول هذا في زعمه : أن لكم إلها غيري ؟ فقال لهم موسى : { رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الأوَّلِينَ } أي : خالقكم وخالق آبائكم الأولين{[21707]} ، الذي كانوا قبل فرعون وزمانه .


[21706]:- في ف : "والجميع".
[21707]:- في أ : "الأوائل".

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{قَالَ لِمَنۡ حَوۡلَهُۥٓ أَلَا تَسۡتَمِعُونَ} (25)

القول في تأويل قوله تعالى : { قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلاَ تَسْتَمِعُونَ * قَالَ رَبّكُمْ وَرَبّ آبَآئِكُمُ الأوّلِينَ * قَالَ إِنّ رَسُولَكُمُ الّذِيَ أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ * قَالَ رَبّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَآ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ * قَالَ لَئِنِ اتّخَذْتَ إِلََهَاً غَيْرِي لأجْعَلَنّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ } .

يعني تعالى ذكره بقوله قالَ لِمَنْ حَوْلَهُ ألا تَسْتَمِعُونَ قال فرعون لمن حوله من قوله : ألا تستمعون لما يقول موسى ، فأخبر موسى عليه السلام القوم بالجواب عن مسئلة فرعون إياه وقيله له وَما رَبّ العالَمِينَ ليفهم بذلك قوم فرعون مقالته لفرعون ، وجوابه إياه عما سأله ، إذ قال لهم فرعون ألا تَسْتَمِعُونَ إلى قول موسى ، فقال لهم الذي دعوته إليه وإلى عبادته رَبّكُمْ الذي خلقكم وَرَبّ آبائِكُمُ الأوّلينَ فقال فرعون لما قال لهم موسى ذلك ، وأخبرهم عما يدعو إليه فرعون وقومه : إنّ رَسُولَكُمُ الّذِي أُرْسِلَ إلَيْكُمْ لَمَجْنُون يقول : إن رسولكم هذا الذي يزعم أنه أرسل إليكم لمغلوب على عقله ، لأنه يقول قولاً لا نعرفه ولا نفهمه ، وإنما قال ذلك ونسب موسى عدوّ الله إلى الجِنّة ، لأنه كان عنده وعند قومه أنه لا ربّ غيره يعبد ، وأن الذي يدعوه إليه موسى باطل ليست له حقيقة ، فقال موسى عند ذلك محتجا عليهم ، ومعرّفهم ربهم بصفته وأدلته ، إذ كان عند قوم فرعون أن الذي يعرفونه ربا لهم في ذلك الوقت هو فرعون ، وأن الذي يعرفونه لاَبائهم أربابا ملوك أخر ، كانوا قبل فرعون ، قد مضوا فلم يكن عندهم أن موسى أخبرهم بشيء له معنى يفهمونه ولا يعقلونه ، ولذلك قال لهم فرعون : إنه مجنون ، لأن كلامه كان عندهم كلاما لا يعقلون معناه : الذي أدعوكم وفرعون إلى عبادته رب المشرق والمغرب وما بينهما يعني ملك مشرق الشمس ومغربها ، وما بينهما من شيء لا إلى عبادة ملوك مصر الذين كانوا ملوكها قبل فرعون لاَبائكم فمضوا ، ولا إلى عبادة فرعون الذي هو ملكها إنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ يقول : إن كان لكم عقول تعقلون بها ما يقال لكم ، وتفهمون بها ما تسمعون مما يعين لكم . فلما أخبرهم عليه السلام بالأمر الذي علموا أنه الحق الواضح ، إذ كان فرعون ومن قبله من ملوك مصر لم يجاوز ملكهم عريش مصر ، وتبين لفرعون ومن حوله من قومه أن الذي يدعوهم موسى إلى عبادته ، هو الملك الذي يملك الملوك . قال فرعون حينئذ استكبارا عن الحقّ ، وتماديا في الغيّ لموسى : لَئنِ اتّخَذْتَ آلها غَيْرِي يقول : لئن أقررت بمعبود سواي لأَجْعَلَنّكَ مِنَ المَسْجُونِينَ يقول : لأسجننك مع من في السجن من أهله .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{قَالَ لِمَنۡ حَوۡلَهُۥٓ أَلَا تَسۡتَمِعُونَ} (25)

فقال فرعون عند ذلك { ألا تستمعون } على وجه الإغراء والتعجب من شنعة المقالة ، إذ كانت عقيدة القوم أن فرعون ربهم ومعبودهم والفراعنة قبله كذلك وهذه ضلالة منها في مصر وديارها إلى اليوم بقية .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{قَالَ لِمَنۡ حَوۡلَهُۥٓ أَلَا تَسۡتَمِعُونَ} (25)

أعرض فرعون عن خطاب موسى واستثار نفوس الملأ من حوله وهم أهل مجلسه فاستفهمهم استفهام تعجب من حالهم كيف لم يستمعوا ما قاله موسى فنزلهم منزلة من لم يستمعه تهييجاً لنفوسهم كي لا تتمكن منهم حجة موسى ، فسلط الاستفهام على نفي استماعهم كما تقدم . وهذا التعجب من حال استماعهم وسكوتهم يقتضي التعجب من كلام موسى بطريق فحوى الخطاب فهو كناية عن تعجب آخر . ومرجع التعجبين أن إثبات ربّ واحد لجميع المخلوقات منكر عند فرعون لأنه كان مشركاً فيرى توحيد الإله لا يصح السكوت عليه ، ولكون خطاب فرعون لمن حوله يتضمن جواباً عن كلام موسى حكي كلام فرعون بالصيغة التي اعتيدت في القرآن حكايةُ المقاولات بها ، كما تقدم غير مرة ، كأنه يجيب موسى عن كلامه .