تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَحَدَآئِقَ غُلۡبٗا} (30)

( وَحَدَائِقَ غُلْبًا ) أي : بساتين . قال الحسن ، وقتادة : ( غُلْبًا ) نخل غلاظ كرام . وقال ابن عباس ، ومجاهد : " الحدائق " : كل ما التف واجتمع . وقال ابن عباس أيضا : ( غُلْبًا ) {[29712]} الشجر الذي يستظل به . وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : ( وَحَدَائِقَ غُلْبًا ) أي : طوال . وقال عكرمة : ( غُلْبًا ) أي : غلاظ الأوساط . وفي رواية : غلاظ الرقاب{[29713]} ، ألم تر إلى الرجل إذا كان غليظ الرقبة قيل : والله إنه لأغلب . رواه ابن أبي حاتم ، وأنشد ابن جرير للفرزدق :

عَوَى فَأثارَ أغلبَ ضَيْغَمِيًا *** فَويلَ ابن المَراغَة ما استَثَارا{[29714]}


[29712]:- (1) في م: "الغلب".
[29713]:- (2) في م: "الأرقاب".
[29714]:- (3) تفسير الطبري (30/37)
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَحَدَآئِقَ غُلۡبٗا} (30)

وقوله : وَزَيْتُونا وهو الزيتون الذي منه الزيت وَنَخْلاً وَحَدَائِقَ غُلْبا وقد بيّنا أن الحديقة البستان المحوّط عليه . وقوله : غُلْبا يعني : غِلاظا . ويعني بقوله : غُلْبا أشجارا في بساتين غلاظ . والغلب : جمع أغلب ، وهو الغليظ الرقبة من الرجال ومنه قول الفرزدق :

عَوَى فأثارَ أغْلَبَ ضَيْغَمِيّا *** فَوَيْلَ ابْنِ المَراغَةِ ما اسْتَثارَا ؟

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل ، على اختلاف منهم في البيان عنه ، فقال بعضهم : هو ما التفّ من الشجر واجتمع . ذكر من قال ذلك :

حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا ابن إدريس ، عن عاصم بن كُلَيب ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، في قوله : وَحَدَائِقَ غُلْبا قال : الحدائق : ما التفّ واجتمع .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحرث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : وَحَدَائِقَ غُلْبا قال : طيبة .

وقال آخرون : الحدائق : نبت الشجر كله . ذكر من قال ذلك :

حدثنا أبو هشام ، قال : حدثنا ابن فضيل ، قال : حدثنا عصام ، عن أبيه : الحدائق : نبت الشجر كلها .

حدثني محمد بن سنان القزّاز ، قال : حدثنا أبو عاصم ، عن شبيب ، عن عكرمة ، عن ابن عباس : وَحَدَائِقَ غُلْبا قال : الشجر يُستظلّ به في الجنة .

وقال آخرون : بل الغُلب : الطّوال . ذكر من قال ذلك :

حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس وَحَدَائِقَ غُلْبا يقول : طوالاً .

وقال آخرون : هو النخل الكرام . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، في قوله : وَحَدَائِقَ غُلْبا والغلب : النخل الكرام .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله : وَحَدَائِقَ غُلْبا قال : النخل الكرام .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وَحَدَائِقَ غُلْبا : عظام النخل العظيمة الجِذْع ، قال : والغلب من الرجال : العظام الرقاب ، يقال : هو أغلب الرقبة : عظيمها .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن أبيه ، عن عكرِمة حَدَائِقَ غُلْبا قال : عظام الأوساط .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَحَدَآئِقَ غُلۡبٗا} (30)

و «الحديقة » الشجر الذي قد أحدق بجدار أو نحوه .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَحَدَآئِقَ غُلۡبٗا} (30)

والحدائق : جمع حديقة وهي الجنة من نخل وكَرم وشجرِ فواكهَ ، وعطفُها على النخل من عطف الأعم على الأخص ، ولأن في ذكر الحدائق إدماجاً للامتنان بها لأنها مواضع تنزههم واخترافهم .

وإنما ذكر النخل دون ثمرته ، وهو التمر ، خلافاً لما قُرن به من الثمار والفواكهِ والكلأ ، لأن منافع شجر النخيل كثيرة لا تقتصر على ثمره ، فهم يقتاتون ثمرته من تمر ورُطب وبُسر ، ويأكلون جُمَّاره ، ويَشربون ماء عود النخلة إذا شُق عنه ، ويتخذون من نَوى التمر علفاً لإبلهم ، وكل ذلك من الطعام ، فضلاً عن اتخاذهم البيوت والأواني من خشبه ، والحُصُر من سَعَفه ، والحبالَ من لِيفه . فذِكْرُ اسم الشجرة الجامعة لهذه المنافع أجمع في الاستدلال بمختلف الأحوال وإدماج الامتنان بوفرة النعم ، وقد تقدم قريباً في سورة النبأ .

والغُلْب : جمع غلباء ، وهي مؤنث الأغلب ، وهو غَليظُ الرقبة ، يقال : غلب كفرح ، يوصف به الإنسان والبعير ، وهو هنا مستعار لغلظ أصول الشجر فوصف الحدائق به ؛ إما على تشبيه الحديقة في تكاثف أوراق شجرها والتفافها بشخص غليظ الأوداج والأعصاب فتكون استعارة ، وإما على تقدير محذوف ، أي غُلْببٍ شَجَرُها ، فيكون نعتاً سببيّاً وتكون الاستعارة في تشبيه كل شجرة بامرأة غليظة الرقبة ، وذلك من محاسن الحدائق لأنها تكون قد استكملت قوة الأشجار كما في قوله : { وجنات ألفافاً } [ النبأ : 16 ] .

وخصت الحدائق بالذكر لأنها مواضع التنزه والاختراف ، ولأنها تجمع أصنافاً من الأشجار .