تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{فَإِن كَانَ لَكُمۡ كَيۡدٞ فَكِيدُونِ} (39)

وقوله : { فَإِنْ كَانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ } تهديد شديد ووعيد أكيد ، أي : إن قدرتم على أن تتخلصوا من قبضتي ، وتَنجُوا من حكمي فافعلوا ، فإنكم لا تقدرون على ذلك ، كما قال تعالى { يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ فَانْفُذُوا لا تَنْفُذُونَ إِلا بِسُلْطَانٍ } [ الرحمن : 33 ] ، وقال تعالى : { وَلا تَضُرُّونَهُ شَيْئًا } [ هود : 57 ] وفي الحديث : " يا عبادي ، إنكم لن تَبلُغوا نَفْعِي فتنفعوني ، ولن تبلغوا ضري فتضروني " .

وقد قال ابن أبي حاتم : حدثنا علي بن المنذر الطريقي الأودي ، حدثنا محمد بن فضيل ، حدثنا حُصيَن بن عبد الرحمن ، عن{[29634]} حسان بن أبي المخارق ، عن أبي عبد الله الجَدَلي قال : أتيت بيت المقدس ، فإذا عُبادة بن الصامت ، وعبد الله بن عمرو ، وكعب الأحبار يتحدثون في بيت المقدس ، فقال عبادة : إذا كان يوم القيامة جمع الله الأولين والآخرين بصعيد واحد ، ينفذهم البصر ويُسمعهم الداعي ، ويقول الله : { هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْنَاكُمْ وَالأوَّلِينَ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ } اليوم لا ينجو مني جبار عنيد ، ولا شيطان مريد . فقال عبد الله بن عمرو{[29635]} : فإنا نحدث يومئذ أنه يخرج عُنُق من النار فتنطلق حتى إذا كانت بين ظهراني الناس نادت : أيها الناس ، إني بُعثتُ إلى ثَلاثَة أنا أعرف بهم من الأب بولده ومن الأخ بأخيه ، لا يُغَيّبهم عني وَزَر ، ولا تُخفِيهم عني خافية : الذي جعل مع الله إلها آخر ، وكلّ جبار عنيد ، وكلّ شيطان مريد . فتنطوي عليهم فتقذف بهم في النار قبل الحساب بأربعين سنة{[29636]} .


[29634]:- (3) في م: "ابن".
[29635]:- (4) في م: "عمر".
[29636]:- (5) ورواه ابن أبي شيبة في المصنف (13/170) عن محمد بن فضيل به نحوه.
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{فَإِن كَانَ لَكُمۡ كَيۡدٞ فَكِيدُونِ} (39)

وقوله : هَذَا يَوْمُ الفَصْلِ جَمَعْناكُمْ والأوّلِينَ يقول تعالى ذكره لهؤلاء المكذّبين بالبعث يوم يبعثون : هذا يوم الفصل الذي يَفْصل الله فيه بالحقّ بين عباده جَمَعْناكُمْ والأوّلِينَ يقول : جمعناكم فيه لموعدكم الذي كنا نعدكم في الدنيا الجمع فيه بينكم وبين سائر من كان قبلكم من الأمم الهالكة ، فقد وفّينا لكم بذلك فإنْ كانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ يقول : والله منجز لكم ما وعدكم في الدنيا من العقاب على تكذيبكم إياه بأنكم مبعوثون لهذا اليوم إن كانت لكم حيلة تحتالونها في التخلص من عقابه اليوم فاحتالوا .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{فَإِن كَانَ لَكُمۡ كَيۡدٞ فَكِيدُونِ} (39)

فإن كان لكم كيد فيكيدون تقريع لهم على كيدهم للمؤمنين في الدنيا وإظهار لعجزهم .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{فَإِن كَانَ لَكُمۡ كَيۡدٞ فَكِيدُونِ} (39)

وفرع على ذلك { فإن كان لكم كيد فكيدون } ، أي فإن كان لكم كيد اليوم كما كان لكم في الدنيا ، أي كيد بديني ورسولي فافعلوه .

والأمر للتعجيز ، والشرط للتوبيخ والتذكير بسوء صنيعهم في الدنيا ، والتسجيل عليهم بالعجز عن الكيد يومئذٍ حيث مُكِّنوا من البحث عما عسى أن يكون لهم من الكيد فإذا لم يستطيعوه بعد ذلك فقد سُجل عليهم العجز . وهذا من العذاب الذي يعذَّبونه إذ هو من نوع العذاب النفساني وهو أوقع على العاقل من العذاب الجسماني .