تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{لَا يَصۡلَىٰهَآ إِلَّا ٱلۡأَشۡقَى} (15)

وقوله : { لا يَصْلاهَا إِلا الأشْقَى } أي : لا يدخلها دخولا يحيط به من جميع جوانبه إلا الأشقى .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{لَا يَصۡلَىٰهَآ إِلَّا ٱلۡأَشۡقَى} (15)

قوله : لا يَصْلاها إلاّ الأشْقَى يقول جلّ ثناؤه : لا يدخلها فيصلى بسعيرها إلاّ الأشقى ، الذي كذّبَ وتَوَلّى يقول : الذي كذّب بآيات ربه ، وأعرض عنها ، ولم يصدّق بها . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا وكيع ، قال : حدثنا هشام بن الغاز ، عن مكحول ، عن أبي هريرة ، قال : لتدخُلنّ الجنة إلاّ من يأبى ، قالوا : يا أبا هريرة : ومن يأبى أن يدخل الجنة ؟ قال : فقرأ : الّذِي كَذّبَ وَتَوَلّى .

حدثني الحسن بن ناضح ، قال : حدثنا الحسن بن حبيب ومعاذ بن معاذ ، قالا : حدثنا الأشعث ، عن الحسن في قوله : لا يَصْلاها إلاّ الأشْقَى قال مُعاذ : الذي كذّب وتولى ، ولم يقله الحسن ، قال : المشرك .

وكان بعض أهل العربية يقول : لم يكن كذب بردّ ظاهر ، ولكن قصّر عما أمر به من الطاعة ، فجُعِل تكذيبا ، كما تقول : لقي فلان العدوّ ، فكذب إذا نكل ورجع . وذُكر أنه سمع بعض العرب يقول : ليس لحدّهم مكذوبة ، بمعنى : أنهم إذا لقوا صدقوا القتال ، ولم يرجعوا قال : وكذلك قول الله : لَيَسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{لَا يَصۡلَىٰهَآ إِلَّا ٱلۡأَشۡقَى} (15)

لا يصلاها لا يلزمها مقياسا شدتها إلا الأشقى إلا الكافر فإن الفاسق وإن دخلها لا يلزمها ولذلك سماه أشقى .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{لَا يَصۡلَىٰهَآ إِلَّا ٱلۡأَشۡقَى} (15)

وقوله تعالى : { لا يصلاها إلا الأشقى } أي { لا يصلاها } صلي خلود ، ومن هنا ضلت المرجئة لأنها أخذت نفي الصلي مطلقاً في قليله وكثيره ، و { الأشقى } هنا ، الكافر بدليل قوله الذي كذب ، والعرب تجعل أفعل في موضع فاعل مبالغة كما قال طرفة : [ الطويل ]

تمنى رجال أن أموت وإن أمت *** فتلك سبيل لست فيها بأوحد{[11864]}


[11864]:لم أجد هذا البيت في شعر طرفة، وقد استشهد به أبو عبيدة في مجاز القرآن، وكذلك استشهد به الطبري، وقد أورد في أمالي القالي ضمن ثلاثة أبيات كتب بها يزيد بن عبد الملك إلى أخيه هشام، وكان الخليفة بعده، وهي: تمنى رجال أن أموت وإن أمت فتلك سبيل لست فيها بأوحد فما عيش من يرجو رداي بضائري وما عيش من يرجو رداي بمخلد فقل للذي يبغي خلاف الذي مضى تجهز لأخرى مثلها فكأن قد قيل: فكتب إليه هشام: ومن لا يغمض عينه عن صديقه وعن بعض ما فيه يمت وهو عاتب ومن يتتبع جاهدا كل عثرة يجدها ولا يسلم له الدهر صاحب فكتب إليه يزيد بأبيات لمعن بن أوس يقول أولها: لعمرك ما أدري وإني لأوجل على أينا تعدو والمنية أول وقيل: إن الذي كتب بالأبيات الثلاثة هو الوليد إلى أخيه سليمان –جاء ذلك في مروج الذهب للمسعودي- ومعنى "يبغي خلاف الذي مضى": يبغي أن يخلف غيره على ميراثه. وقد حقق الأستاذ عبد العزيز الميمني البيت الذي يدور حوله الحديث عند شرحه لذيل الأمالي، ووصل إلى أن البيت لمالك بن القين الأنصاري. والمؤلف هنا يستشهد بالبيت على أن (أوحد) جاءت بمعنى (واحد)، وهذا كما في قوله تعالى: {وهو أهون عليه} فإن (أهون) جاءت بمعنى (هين)، والصيغة هنا لمجرد الوصف ولا تعطي معنى التفضيل، وقد ناقش البغدادي في خزانة الأدب هذه الصيغة وقال: إن هذا الشاهد وما يماثله يمكن أن يعطي معنى التفضيل لا مجرد الوصف.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{لَا يَصۡلَىٰهَآ إِلَّا ٱلۡأَشۡقَى} (15)

وجملة { لا يصلاها إلا الأشقى } صفة ثانية أو حال من { ناراً } بعد أن وصفت . وهذه نار خاصة أعدت للكافرين فهي التي في قوله : { فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين } [ البقرة : 24 ] والقرينة على ذلك قوله : { وسيجنبها الأتقى } الآية .

وذكر القرطبي أن أبا إسحاق الزجاج قال : هذه الآية التي من أجلها قال أهلُ الإِرجاء بالإِرجاء فزعموا : أن لا يدخل النار إلا كافر ، وليس الأمر كما ظنوا : هذه نار موصوفة بعينها لا يصلى هذه النار إلا الذي كذب وتولى ، ولأهل النار منازل فمنها أن المنافقين في الدرك الأسفل من النار اه .

والمعنى : لا يصلاها إلا أنتم .

وقد أتبع { الأشقى } بصفة { الذي كذب وتولى } لزيادة التنصيص على أنهم المقصود بذلك فإنهم يعلمون أنهم كذبوا الرسول صلى الله عليه وسلم وتولوا ، أي أعرضوا عن القرآن ، وقد انحصر ذلك الوصف فيهم يومئذ فقد كان الناس في زمن ظهور الإسلام أحد فريقين : إما كافر وإما مؤمن تقي ، ولم يكن الذين أسلموا يغشون الكبائر لأنهم أقبلوا على الإِسلام بشراشرهم ، ولذلك عطف { وسيجنبها الأتقى } الخ تصريحاً بمفهوم القصر وتكميلاً للمقابلة .

و{ الأشقى } و{ الأتقى } مراد بهما : الشديد الشقاء والشديد التقوى ومثله كثير في الكلام .

وذكر القرطبي : أن مالكاً قال : صلّى بنا عمر بن عبد العزيز المغرب فقرأ { والليل إذا يغشى } فلما بلغ : { فأنذرتكم ناراً تلظى } وقع عليه البكاء فلم يقدر يتعدّاها من البكاء فتركها وقرأ سورة أخرى » .

ووصف { الأشقى } بصلة { الذي كذب وتولى } ، ووصف { الأتقى } بصلة { الذي يؤتى ماله يتزكى } للإِيذان بأن للصلة تسبباً في الحكم .

وبين { الأشقى } و{ الأتقى } محسن الجناس المضارع .