تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{مَا سَمِعۡنَا بِهَٰذَا فِي ٱلۡمِلَّةِ ٱلۡأٓخِرَةِ إِنۡ هَٰذَآ إِلَّا ٱخۡتِلَٰقٌ} (7)

6

وقولهم : { مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الآخِرَةِ } أي : ما سمعنا بهذا الذي يدعونا إليه محمد من التوحيد في الملة الآخرة . قال مجاهد وقتادة وابن زيد : يعنون دين قريش . وقال غيرهم : يعنون النصرانية ، قاله محمد بن كعب والسدي . وقال العوفي عن ابن عباس : { مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الآخِرَةِ } يعني : النصرانية قالوا : لو كان هذا القرآن حقا أخبرتنا به النصارى .

{ إِنْ هَذَا إِلا اخْتِلاقٌ } : قال مجاهد ، وقتادة كذب وقال ابن عباس : تخرص .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{مَا سَمِعۡنَا بِهَٰذَا فِي ٱلۡمِلَّةِ ٱلۡأٓخِرَةِ إِنۡ هَٰذَآ إِلَّا ٱخۡتِلَٰقٌ} (7)

وقوله : ( ما سَمِعْنا بِهَذَا فِي المِلّةِ الاَخِرَةِ ) : اختلف أهل التأويل في تأويله ، فقال بعضهم : معناه : ما سمعنا بهذا الذي يدعونا إليه محمد من البراءة من جميع الاَلهة إلا من الله تعالى ذكره ، وبهذا الكتاب الذي جاء به في الملّة النصرانية ، قالوا : وهي الملة الاَخرة . ذكر من قال ذلك :

حدثني عليّ ، قال : حدثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : ( ما سَمِعْنا بِهَذَا فِي المِلّةِ الاَخِرَة ) : ِيقول : النصرانية .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : ( ما سَمِعْنا بِهَذَا فِي المِلّةِ الاَخِرَةِ ) : يعني النصرانية ، فقالوا : لو كان هذا القرآن حقا أخبرتنا به النصارى .

حدثني محمد بن إسحاق ، قال : حدثنا يحيى بن معين ، قال : حدثنا ابن عُيينة ، عن ابن أبي لبيد ، عن القُرَظِي في قوله : ( ما سَمِعْنا بِهَذَا فِي المِلّةِ الاَخِرَةِ ) ، قال : ملة عيسى .

حدثني محمد بن الحسين ، قلا : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط عن السديّ ما سَمِعْنا بِهَذَا فِي المِلّةِ الاَخِرَةِ النصرانية .

وقال آخرون : بل عَنَوا بذلك : ما سمعنا بهذا في ديننا دين قريش . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا حكام ، عن عنبسة ، عن محمد بن عبد الرحمن ، عن القاسم بن أبي بَزّة ، عن مجاهد ، في قوله : ( ما سَمِعْنا بِهَذَا فِي المِلّةِ الاَخِرَةِ ) ، قال : ملة قريش .

حدثني محمد بن عمرو ، قا : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : ( فِي المِلّةِ الاَخِرَةِ ) : قال : ملة قريش .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : ( ما سَمِعْنا بِهَذَا فِي المِلّةِ الاَخِرَةِ ) : أي في ديننا هذا ، ولا في زماننا قطّ .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( ما سَمِعْنا بِهَذَا فِي المِلّةِ الاَخِرَةِ ) ، قال : الملة الاَخرة : الدين الاَخر . قال : والملة الدين .

وقيل : إن الملأ الذين انطلقوا نفر من مشيخة قريش ، منهم أبو جهل ، والعاص بن وائل ، والأسود بن عبد يغوث . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ أن أناسا من قُرَيش اجتمعوا ، فيهم أبو جهل بن هشام ، والعاص بن وائل ، والأسود بن المطلب ، والأسود بن عبد يغوث في نفر من مشيخة قريش ، فقال بعضهم لبعض : انطلقوا بنا إلى أبي طالب ، فلنكلمه فيه ، فلينصفنا منه ، فيأمره فليكفّ عن شتم آلهتنا ، ونَدَعَه وإلهه الذي يَعبُد ، فإنا نخاف أن يموت هذا الشيخ ، فيكون منا شيء ، فتعيرنا العرب فيقولون : تركوه حتى إذا مات عمه تناولوه ، قال : فبعثوا رجلاً منهم يُدعى المطّلب ، فاستأذن لهم على أبي طالب ، فقال : هؤلاء مشيخة قومك وسَرَواتهم يستأذنون عليك ، قال : أدخلهم فلما دخلوا عليه قالوا : يا أبا طالب أنت كبيرنا وسيدنا ، فأنصفنا من ابن أخيك ، فمُره فليكفّ عن شتم آلهتنا ، ونَدَعَه وإلهه قال : فبعث إليه أبو طالب فلما دخل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : يا ابن أخي هؤلاء مشيخة قومك وسَرَواتهم ، وقد سألوك النّصف أن تكفّ عن شتم آلهتهم ، ويَدَعُوك وإلهك قال : فقال : «أيْ عَمّ أوَلا أدْعُوهُمْ إلى ما هُوَ خَيْرٌ لَهُمْ مِنْها ؟ » قال : وإلام تدعوهم ؟ قال : «أدعوهم إلى أنْ يَتَكَلّمُوا بِكَلِمَةٍ تَدِينُ لَهُمْ بِها العَرَبُ ويَمْلِكُونَ بِها العَجَمَ » قال : فقال أبو جهل من بين القوم : ما هي وأبيك لنعطينكها وعشر أمثالها ، قال : «تَقُولونَ لا إلَهَ إلاّ اللّهُ » . قال : فنفروا وقالوا : سلنا غير هذه ، قال : «لَوْ جِئْتُمُونِي بالشّمْسِ حتى تَضَعُوها فِي يَدِي ما سأَلْتُكُمْ غَيَرها » قال : فغضبوا وقاموا من عنده غضابا وقالوا : والله لنشتمنك والذي يأمرك بهذا وَانْطَلَقَ المَلأُ مِنْهُمْ أنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا على آلِهَتِكُمْ إنّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ . . . إلى قوله : إلاّ اخْتِلاقٌ وأقبل على عمه ، فقال له عمه : يا ابن أخي ما شططت عليهم ، فأقبل على عمه فدعاه ، فقال : «قلْ كَلِمَةً أشْهَدُ لَكَ بِها يَوْمَ القيامَةِ ، تَقُولُ : لا إلَهَ إلاّ اللّهُ » ، فقال : لولا أن تعيبكم بها العرب يقولون جزع من الموت لأعطيتكها ، ولكن على ملّة الأشياخ قال : فنزلت هذه الاَية إنّكَ لا تَهْدِي مَنْ أحْبَبْتَ وَلَكِنّ اللّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : ( وَانْطَلَقَ المَلأُ مِنْهُمْ أنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا على آلهَتِكُمْ إنّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ ) قال : نزلت حين انطلق أشراف قريش إلى أبي طالب فكلموه في النبيّ صلى الله عليه وسلم .

وقوله : إنْ هَذَا إلاّ اخْتِلاقٌ يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل هؤلاء المشركين في القرآن : ما هذا القرآن إلا اختلاق : أي كذب اختلقه محمد وتخرّصه . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا عليّ ، قال : حدثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : ( إنْ هَذَا إلاّ اخْتِلاقٌ ) : يقول : تخريص .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : ( إنْ هَذَا إلاّ اخْتِلاقٌ ) ، قال : كذب .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا حكام ، عن عنبسة ، عن محمد بن عبد الرحمن ، عن القاسم بن أبي بَزّة ، عن مجاهد : ( إنْ هَذَا إلاّ اخْتِلاقٌ ) : يقول : كذب .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : ( إنْ هَذَا إلاّ اخْتِلاقٌ ) : إلا شيء تخْلُقه .

حدثنا محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : ( إنْ هَذَا إلاّ اخْتِلاقٌ ) : اختلقه محمد صلى الله عليه وسلم .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( إنْ هَذَا إلاّ اخْتلاقٌ ) ، قالوا : إن هذا إلا كذب .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{مَا سَمِعۡنَا بِهَٰذَا فِي ٱلۡمِلَّةِ ٱلۡأٓخِرَةِ إِنۡ هَٰذَآ إِلَّا ٱخۡتِلَٰقٌ} (7)

{ ما سمعنا بهذا } بالذي يقوله . { في الملة الآخرة } في الملة التي أدركنا عليها آباءنا ، أو في ملة عيسى عليه الصلاة والسلام التي هي آخر الملل فإن النصارى يثلثون . ويجوز أن يكون حالا من هذا أي سمعنا من أهل الكتاب ولا الكهان بالتوحيد كائنا في الملة المترقبة . { إن هذا إلا اختلاق } كذب اختلقه .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{مَا سَمِعۡنَا بِهَٰذَا فِي ٱلۡمِلَّةِ ٱلۡأٓخِرَةِ إِنۡ هَٰذَآ إِلَّا ٱخۡتِلَٰقٌ} (7)

وقولهم : { ما سمعنا بهذا } يريدون بمثل هذه المقالة أن الإله واحد .

واختلف المتأولون في قولهم : { في الملة الآخرة } فقال مجاهد : أرادوا ملتهم ونحلتهم التي العرب عليها ، ويقال لكل ما تتبعه أمة ما ملة . وقال ابن عباس والسدي : أراد ملة النصارى ، وذلك متجه ، لأنها ملة شهير فيها التثليث ، وأن الإله ليس بواحد . وقالت فرقة معنى قولهم : { ما سمعنا } أنه يكون مثل هذا ، ولا أنه يقال في الملة الآخرة التي كنا نسمع أنها تكون آخر الزمان ، وذلك أنه قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم كان الناس يستشعرون خروج نبي وحدوث ملة ودين ، ويدل على صحة هذا ما روي من قول الأحبار ذوي الصوامع ، وروي عن شق وسطيح ، وما كانت بنو إسرائيل تعتقد من أنه يكون منهم .

وقولهم : { إن هذا إلا اختلاق } إشارة إلى جميع ما يخبر به محمد صلى الله عليه وسلم عن الله تعالى .