تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير  
{أُوْلَـٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ خَسِرُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ وَضَلَّ عَنۡهُم مَّا كَانُواْ يَفۡتَرُونَ} (21)

وقوله : { أُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ } أي : خسروا أنفسهم لأنهم دخلوا{[14549]} نارا حامية ، فهم معذبون فيها لا يُفَتَّر عنهم من عذابها طرفة عين ، كما قال تعالى : { كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا } [ الإسراء : 97 ] .

و { ضَلَّ عَنْهُمْ } أي : ذهب عنهم { مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ } من دون الله من الأنداد والأصنام ، فلم تُجْد عنهم شيئًا ، بل ضرتهم كل الضرر ، كما قال تعالى : { وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ } [ الأحقاف : 6 ] ، وقال تعالى : { وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا كَلا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا } [ مريم : 81 ، 82 ] ، {[14550]} وقال الخليل لقومه : { إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ } [ العنكبوت : 25 ] ، {[14551]} وقال تعالى : { إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأسْبَابُ } [ البقرة : 166 ] ؛

إلى غير ذلك من الآيات الدالة على خسرهم{[14552]} ودمارهم ؛ ولهذا قال : { لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الآخِرَةِ هُمُ الأخْسَرُونَ }


[14549]:- في ت : "أدخلوا".
[14550]:- في ت : "ويكونوا".
[14551]:- في ت : "ويوم".
[14552]:- في ت ، أ : "خسارهم".