تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير  
{وَفَٰكِهَةٖ كَثِيرَةٖ} (32)

وقوله : { وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ . لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ } أي : وعندهم من الفواكه الكثيرة المتنوعة في الألوان ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ، { كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا } [ البقرة : 25 ] أي : يشبه الشكلُ الشكلَ ، ولكن الطعم غيرُ الطعم . وفي الصحيحين في ذكر سدرة المنتهى قال : " فإذا ورقها كآذان الفيلة ونبقها مثل قلالَ هجر " {[28080]} .

وفيهما أيضًا من حديث مالك ، عن زيد ، عن عطاء بن يسار ، عن ابن عباس قال : خُسِفَت الشمس ، فصلى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم والناس معه ، فذكر الصلاة . وفيه : قالوا : يا رسول الله ، رأيناك تناولت شيئًا في مقامك هذا ، ثم رأيناك تكعكعت{[28081]} . قال : " إني رأيت الجنة ، فتناولت منها عنقودًا ، ولو أخذته لأكلتم منه ما بقيت الدنيا " {[28082]} .

وقال الحافظ أبو يعلى : حدثنا أبو خَيْثَمة ، حدثنا عبد الله بن جعفر ، حدثنا عبيد الله ، حدثنا ابن{[28083]} عقيل ، عن جابر قال : بينا نحن في صلاة الظهر ، إذ تقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فتقدمنا معه ، ثم تناول شيئًا ليأخذه ثم تأخر ، فلما قضى الصلاة قال له أبيّ بن كعب : يا رسول الله ، صنعتَ اليومَ في الصلاة شيئًا ما كنت تصنعه ؟ قال : " إنه عُرِضَتْ علَيَّ الجنة ، وما فيها من الزَّهْرَة والنُّضْرَة ، فتناولت منها قِطْفًا من عنب لآتيكم به ، فحِيلَ بيني وبينه ، ولو أتيتكم به لأكل منه من بين السماء والأرض لا ينقصونه " {[28084]} .

وروى مسلم ، من حديث أبي الزبير ، عن جابر ، نحوه{[28085]} .

وقال الإمام أحمد : حدثنا علي بن بحر ، حدثنا هشام بن يوسف ، أخبرنا مَعْمَر ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن عامر بن زيد البَكَالي : أنه سمع عتبة بن عبد السلمي يقول : جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فسأله عن الحوض وذكر الجنة ، ثم قال {[28086]} الأعرابي : فيها فاكهة ؟ قال : " نعم ، وفيها شجرة تدعى طوبى " فذكر شيئًا لا أدري ما هو ، قال : أي شجر أرضنا تشبه ؟ قال : " ليست تشبه شيئا من شجر أرضك " . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " أتيتَ الشام ؟ " قال : لا . قال : " تشبه شجرة بالشام تدعى الجَوزة ، تنبت على ساق واحد ، وينفرش أعلاها " . قال : ما عظم أصلها ؟ قال : " لو ارتحلت جَذعَة من إبل أهلك ما أحاطت بأصلها حتى تنكسر ترقوتها هرمًا " . قال : فيها عنب ؟ قال : " نعم " . قال : فما عظم العنقود ؟ قال : " مسيرة شهر للغراب الأبقع ، ولا يفتر " . قال : فما عظَم الحَبَّة ؟ قال : " هل ذبح أبوك تيسًا من غنمه قط عظيمًا ؟ " قال : نعم . قال : " فسلخ إهابه فأعطاه أمك ، فقال : اتخذي لنا منه دلوًا ؟ " قال : نعم . قال الأعرابي : فإن تلك الحبة لتشبعني وأهل بيتي ؟ قال : " نعم وعامَّة عشيرتك " {[28087]} .


[28080]:- (4) صحيح البخاري برقم (3207) وصحيح مسلم برقم (162) من حديث أنس رضي الله عنه.
[28081]:- (5) في أ: "تكفكفت".
[28082]:- (6) صحيح البخاري برقم (1052) وصحيح مسلم برقم (907).
[28083]:- (7) في م، أ: "حدثنا أبو".
[28084]:- (1) تقدم تخريج الحديث عند تفسير الآية: 35 من سورة الرعد.
[28085]:- (2) تقدم الحديث في الموضع السابق.
[28086]:- (3) في م: "فقال".
[28087]:- (4) المسند (4/184).