مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{وَفَٰكِهَةٖ كَثِيرَةٖ} (32)

قوله تعالى : { وفاكهة كثيرة لا مقطوعة ولا ممنوعة } لما ذكر الأشجار التي يطلب منها ورقها ذكر بعدها الأشجار التي يقصد ثمرها ، وفيه مسائل :

المسألة الأولى : ما الحكمة في تقديم الأشجار المورقة على غير المورقة ؟ نقول : هي ظاهرة ، وهو أنه قدم الورق على الشجر على طريقة الارتقاء من نعمة إلى ذكر نعمة فوقها ، والفواكه أتم نعمة .

المسألة الثانية : ما الحكمة في ذكر الأشجار المورقة بأنفسها ، وذكر أشجار الفواكه بثمارها ؟ نقول : هي أيضا ظاهرة ، فإن الأوراق حسنها عند كونها على الشجر ، وأما الثمار فهي في أنفسها مطلوبة سواء كانت عليها أو مقطوعة ، ولهذا صارت الفواكه لها أسماء بها تعرف أشجارها ، فيقال : شجر التين وورقه .

المسألة الثالثة : ما الحكمة في وصف الفاكهة بالكثرة ، لا بالطيب واللذة ؟ نقول : قد بينا في سورة الرحمن أن الفاكهة فاعلة كالراضية في قوله : { في عيشة راضية } أي ذات فكهة ، وهي لا تكون بالطبيعة إلا بالطيب واللذة ، وأما الكثرة ، فبينا أن الله تعالى حيث ذكر الفاكهة ذكر ما يدل على الكثرة ، لأنها ليست لدفع الحاجة حتى تكون بقدر الحاجة ، بل هي للتنعم ، فوصفها بالكثرة والتنوع .