وقوله : { إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً . فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا . عُرُبًا أَتْرَابًا . لأصْحَابِ الْيَمِينِ } جرى الضمير على غير مذكور . لكن لما دل السياق ، وهو ذكر الفرش على النساء اللاتي يضاجَعن فيها ، اكتفى بذلك عن ذكرهن ، وعاد الضمير عليهن ، كما في قوله : { إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ . فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ } [ ص : 31 ، 32 ] يعني : الشمس ، على المشهور من قول المفسرين .
قال الأخفش في قوله : { إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً } أضمرهن ولم يذكرهن قبل ذلك . وقال أبو عبيدة : ذكرن في قوله : { وَحُورٌ عِينٌ . كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ } [ الواقعة : 22 ، 23 ] .
فقوله : { إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ } أي : أعدناهن في النشأة الآخرة بعدما كُنَّ عجائز{[28091]} رُمْصًا ، صرن أبكارًا عربًا ، أي : بعد الثّيوبة عُدْن أبكارًا عُرُبًا ، أي : متحببات إلى أزواجهن بالحلاوة والظرافة والملاحة .
وقال بعضهم : { عُرُبًا } أي : غَنِجات .
قال موسى بن عُبَيدة الرَّبَذِي ، عن يزيد الرقاشي ، عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً } قال : " نساء عجائز كُنّ في الدنيا عُمْشًا رُمْصًا " . رواه الترمذي ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم . ثم قال الترمذي : غريب ،
وموسى ويزيد ضعيفا{[28092]} {[28093]} .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا محمد بن عوف الحمصي ، حدثنا آدم - يعني : ابن أبي إياس - حدثنا شيبان ، عن جابر ، عن يزيد بن مُرَّة ، عن سلمة بن يزيد قال : سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول في قوله : { إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً } يعني : " الثيب والأبكار اللاتي كُنَّ في الدنيا " {[28094]} .
وقال عبد بن حُمَيد : حدثنا مصعب بن المقدام ، حدثنا المبارك بن فضالة ، عن الحسن قال : أتت عجوز فقالت : يا رسول الله ادع الله أن يدخلني الجنة . فقال : " يا أم فلان ، إن الجنة لا تدخلها عجوز " . قال : فَوَلَّت تبكي ، قال : " أخبروها أنها لا تدخلها وهي عجوز ، إن الله تعالى يقول : { إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً . فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا }
وهكذا رواه الترمذي في الشمائل عن عبد بن حميد {[28095]} .
وقال أبو القاسم الطبراني : حدثنا بكر بن سهل الدمياطي ، حدثنا عمرو بن هاشم البيروتي ، حدثنا سليمان بن أبي كريمة ، عن هشام بن حسان ، عن الحسن ، عن أمه ، عن أم سلمة قالت : قلت : يا رسول الله ، أخبرني عن قول الله : { وَحُورٌ عِينٌ } [ الواقعة : 22 ] ، قال : " حور : بيض ، عين : ضخام العيون ، شُفْر الحوراء بمنزلة جناح النسر " . قلت : أخبرني عن قوله : { كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ } [ الواقعة : 23 ] ، {[28096]} قال : " صفاؤهن صفاءُ الدر الذي في الأصداف ، الذي لم تَمَسّه الأيدي " . قلت : أخبرني عن قوله : { فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ } [ الرحمن : 70 ] . قال : " خَيّراتُ الأخلاق ، حِسان الوجوه " . قلت : أخبرني عن قوله : { كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ } [ الصافات : 49 ] ، قال : " رقتهن كرقة الجلد الذي رأيت في داخل البيضة مما يلي القشر ، وهو : الغِرْقئُ " . قلت : يا رسول الله ، أخبرني عن قوله : { عُرُبًا أَتْرَابًا } . قال : " هن اللواتي قبضن في دار الدنيا عجائز رُمْصًا شُمطًا ، خلقهن الله بعد الكبر ، فجعلهن عذارى عُرُبًا متعشقات محببات ، أترابًا على ميلاد واحد " . قلت : يا رسول الله ، نساء الدنيا أفضل أم الحور العين ؟ قال : " بل نساء الدنيا أفضل من الحور العين ، كفضل الظّهارة على البطانة " . قلت : يا رسول الله ، وبم ذاك ؟ قال : " بصلاتهن وصيامهن وعبادتهن الله ، عز وجل ، ألبس الله وجوههن النور ، وأجسادهن الحرير ، بيض الألوان ، خضر الثياب ، صفر الحلي ، مَجَامِرُهُنَّ الدُّرّ ، وأمشاطهن الذهب ، يقلن : نحن الخالدات فلا نموت أبدًا ، ونحن الناعمات فلا نبأس أبدًا ، ونحن المقيمات فلا نظعن أبدًا ، ألا ونحن الراضيات فلا نسخط أبدًا ، طوبى لمن كُنَّا له وكان لنا " . قلت : يا رسول الله ، المرأة منا تتزوج زوجين والثلاثة والأربعة ، ثم تموت فتدخل الجنة ويدخلون معها ، من يكون زوجها ؟ قال : " يا أم سلمة ، إنها تُخَيَّر فتختار أحسنهم خلقًا ، فتقول : يا رب ، إن هذا كان أحسن خلقًا معي فزوجنيه ، يا أم سلمة{[28097]} ذهب حسن الخلق بخير الدنيا والآخرة " {[28098]} .
وفي حديث الصور الطويل المشهور{[28099]} أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يشفع للمؤمنين كلهم في دخول الجنة فيقول الله : قد شفعتك وأذنت لهم في دخولها . فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " والذي بعثني بالحق ، ما أنتم في الدنيا بأعرف بأزواجكم ومساكنكم من أهل الجنة بأزواجهم ومساكنهم ، فيدخل الرجل منهم على ثنتين وسبعين زوجة ، سبعين مما ينشئ الله ، وثنتين من ولد{[28100]} آدم لهما فضل على من أنشأ الله ، بعبادتهما الله في الدنيا ، يدخل على الأولى منهما في غرفة من ياقوتة ، على سرير من ذهب مُكَلَّل باللؤلؤ ، عليه سبعون زوجًا من سُنْدُس وإستبرق وإنه ليضع يده بين كتفيها ، ثم ينظر إلى يده من صدرها من وراء ثيابها وجلدها ولحمها ، وإنه لينظر إلى مخ ساقها كما ينظر أحدكم إلى السلك في قصبة الياقوت ، كبده لها مرآة - يعني : وكبدها له مرآة - فبينما هو عندها لا يملها ولا تمله ، ولا يأتيها من مرة إلا وجدها عذراء ، ما يفتر ذَكَرُه ، ولا تشتكي قُبُلها إلا أنه لا مني ولا مَنيَّة ، فبينما هو كذلك إذ نودي : إنا قد عرفنا أنك لا تمل ولا تمل ، إلا أن لك أزواجًا غيرها ، فيخرج ، فيأتيهن واحدة واحدة{[28101]} ، كلما جاء واحدة قالت : والله ما في الجنة شيء أحسن منك ، وما في الجنة شيء أحب إليّ منك " .
وقال عبد الله بن وهب : أخبرني عمرو بن الحارث ، عن دَرَّاج ، عن ابن حُجَيرة {[28102]} ، عن أبي هريرة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال له : أَنَطأ في الجنة ؟ قال : " نعم ، والذي نفسي بيده دَحْمًا دحمًا ، فإذا قام عنها رَجَعتْ مُطهَّرة بكرًا " {[28103]} .
وقال الطبراني : حدثنا إبراهيم بن جابر الفقيه البغدادي ، حدثنا محمد بن عبد الملك الدقيق الواسطي ، حدثنا معلى بن عبد الرحمن الواسطي ، حدثنا شريك ، عن عاصم الأحول ، عن أبي المتوكل ، عن أبي سعيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن أهل الجنة إذا جامعوا نساءهم عُدن أبكارًا " {[28104]} . وقال أبو داود الطيالسي : حدثنا عِمْران ، عن قتادة ، عن أنس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يعطى المؤمن في الجنة قوة كذا وكذا في النساء " . قلت : يا رسول الله ، ويطيق ذلك ؟ قال : " يعطى قوة مائة " .
ورواه الترمذي من حديث أبي داود وقال : صحيح غريب{[28105]} .
وروى أبو القاسم الطبراني من حديث حسين بن علي الجعفي ، عن زائدة ، عن هشام بن حسان ، عن محمد بن سيرين ، عن أبي هريرة قال : قيل : يا رسول الله ، هل نصل إلى نسائنا في الجنة ؟ قال : " إن الرجل ليصل في اليوم إلى مائة عذراء " {[28106]} .
قال الحافظ أبو عبد الله المقدسي : هذا الحديث عندي على شرط الصحيح ، والله أعلم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.