تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{ سيصلى } يعني سيغشى أبو لهب { نارا ذات لهب } ليس لها دخان ...
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
أي ذات التهاب . وفيه دلالة إثبات رسالته حين أخبر أنه { سيصلى نارا } ولا يصلى النار إلا بعد ما يختم بالكفر ، ثم كان كما أخبر ، دل أنه علم ذلك بالله تعالى . وفي هذه السورة دلالتان أخريان تدلان على نبوته؛
إحداهما : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما قرأ هذه السورة عليهم بمكة حين لم يكن له ناصر في الدين ، وكانت المنعة والقوة للكفرة ، وكانوا جميعا أولياء أبي لهب وأنصارا له عن آخرهم . ولا يحتمل أن يكون محمد صلى الله عليه وسلم يقرأ هذه السورة عليه ، وفيها سب له وتعيير إلى يوم القيامة مع قلة أوليائه وكثرة أعدائه ، إذ فيه خوف هلاكه ، إلا برب العالمين .
والثانية : أنه صلى الله عليه وسلم كان موصوفا بحسن العشرة وجمال الصحبة مع الأجانب ، فما ظنك بالعشيرة والأقارب ؟ ... فما جاز له هذا إلا بأمر من الله تعالى ، فدل ذلك على نبوته ورسالته .
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
والسين للوعيد ، أي : هو كائن لا محالة ، وإن تراخى وقته .
هذه الآيات تضمنت الإخبار عن الغيب من ثلاثة أوجه؛
( أحدها ) : الإخبار عنه بالتباب والخسار ، وقد كان كذلك.
( وثانيها ) : الإخبار عنه بعدم الانتفاع بماله وولده ، وقد كان كذلك ...
( وثالثها ) : الإخبار بأنه من أهل النار ، وقد كان كذلك لأنه مات على الكفر ....
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{ سيصلى } أي عن قرب بوعد لا خلف فيه { ناراً } أي فيدس فيها ، وتنعطف عليه ، وتحيط به . ولما كان المقصود شدة نكايته بأشد ما يكون من الحرارة كما أحرق أكباد الأولياء ، وكانت النار قد تكون جمراً ثم تنطفئ عن قرب قال : { ذات لهب } أي لا تسكن ولا تخمد أبداً ؛ لأن ذلك مدلول الصحبة المعبر عنها ب " ذات " ، وذلك بعد موته ...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
ووصف النار ب { ذات لهب } لزيادة تقرير المناسبة بين اسمه وبين كفره إذ هو أبو لهب والنار ذات لهب ....
قوله تعالى : { سيصلى نارا ذات لهب }
أي ذات اشتعال وتلهب . وقد مضى في سورة " المرسلات " {[16538]} القول فيه . وقراءة العامة : " سيصلى " بفتح الياء . وقرأ أبو رجاء والأعمش : بضم الياء . ورواها محبوب ، عن إسماعيل ، عن ابن كثير ، وحسين ، عن أبي بكر ، عن عاصم ، ورويت عن الحسن . وقرأ أشهب العقيلي وأبو سمال العدوي ومحمد بن السميقع " سيُصلى " بضم الياء ، وفتح الصاد ، وتشديد اللام ، ومعناها سيصليه الله ، من قوله : " وتصلية جحيم " {[16539]} [ الواقعة : 94 ] . والثانية من الإصلاء ، أي يصليه الله ، من قوله : { فسوف نصليه نارا }{[16540]} [ النساء : 30 ] . والأولى هي الاختيار ؛ لإجماع الناس عليها ، وهي من قوله : { إلا من هو صال الجحيم }{[16541]} [ الصافات :163 ] .
ولما أخبر سبحانه وتعالى بوقوع هذا التبار الأعظم به ، وكان لا عذاب يداني عذاب الآخرة ، بينه بقوله : { سيصلى } أي عن قرب بوعد لا خلف فيه { ناراً } أي فيدس فيها ، وتنعطف عليه ، وتحيط به .
ولما كان المقصود شدة نكايته بأشد ما يكون من الحرارة كما أحرق أكباد الأولياء ، وكانت النار قد تكون جمراً ثم تنطفىء عن قرب قال : { ذات لهب * } أي لا تسكن ولا تخمد أبداً ؛ لأن ذلك مدلول الصحبة المعبر عنها ب " ذات " ، وذلك بعد موته ، وليس في السورة دليل قاطع على أنه لا يؤمن ، لجواز أن يكون الصلي على الفسق ، فلا دليل فيها لمن يقول : إن فيها التكليف بما علم أنه محال ، ليكون قد كلف بأن يؤمن ، وقد علم أنه حكم بأنه لا يؤمن ، وإن كان الله قد حقق هذا الخبر بموته كافراً في الثانية من الهجرة عقب غزوة بدر ، وهي الخامسة عشرة من النبوة ، لكن ما عرف تحتم كفره إلا بموته كافراً لا بشيء في هذه السورة ولا غيرها . ومن الغرائب أن الكلمات المتعلقة به في هذه السورة خمس عشرة كلمة ، فكانت مشيرة إلى سنة موته ، بعد أن رأى تبابه في وقعة بدر وغيرها بعينه ، فإذا ضممنا إليها كلمات البسملة الأربع وازت سنة ست من الهجرة ، وهي سنة عمرة الحديبية سنة الفتح السببي التي تحقق فيها تبابه وخساره عند كل من عنده إيمان بالغيب ودفع للريب ، فإذا ضممت إليها الضميرين البارزين اللذين هما أقرب إلى الكلمات الاصطلاحية من المستترة وازت سنة ثمان من الهجرة التي كان فيها الفتح الحقيقي ، فتحقق عند قريش كافة ما أنزل فيه في هذه السورة ، فإذا ضممت إليها الضمائر الثلاثة المستترة وازت سنة إحدى عشرة ، على أنك إذا بدأت بالضمائر المستترة حصلت المناسبة أيضاً ، وذلك أنها توازي سنة تسع ، وهي سنة الوفود التي دخل الناس فيها في الدين أفواجاً ، وحج فيها بالناس أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه أميراً ، ونودي في الموسم ببراءة ، وأن لا يحج بعد العام مشرك ، فتحققت خيبة أبي لهب عند كل من حضر الموسم ، لا سيما من كان يعلم دورانه وراء النبي صلى الله عليه وسلم ، وتكذيبه له من مسلم وغيره ، فإذا ضممنا إلى ذلك الضميرين البارزين وازت سنة إحدى عشرة أول سني خلافة الصديق رضي الله عنه التي فتحت فيها جميع جزيرة العرب بعد أن لعب الشيطان بكثير من أهلها . فرجعوا بعد أن قتل الله منهم من علم أنه مخلوق لجهنم ، وتحقق حينئذ ما لأبي لهب من التباب والنار ذات الالتهاب عند العرب كافة بإيمانهم عامة في السنة الحادية عشرة من الهجرة ، بعد مضي ثلاث وعشرين سنة من النبوة ، واستقر الأمر حينئذ ، وعلم أن الدين قد رسخت أوتاده ، وثبت عماده ، وأن الذي كان يحميه في حياة النبي صلى الله عليه وسلم قد حماه بعده ، وهو سبحانه حي لا يموت ، وقادر لا يعجزه شيء . وعدد كلمات السورة ثلاث وعشرون ، وهي توازي سنة حجة الوداع سنة عشر ، فإنها السنة الثالثة والعشرون من المبعث ، وفيها كمل الدين ونزلت آية المائدة . وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الشيطان قد أيس أن يعبد بأرض العرب ، فتحقق كل الناس -لا سيما من حضر الموسم- تباب أبي لهب الذي كان يدور في تلك المشاهد وراء النبي صلى الله عليه وسلم يكذبه ويؤذيه{ إن في ذلك لعبرة }[ آل عمران : 13 - والنور : 44 ] .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.