الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع  
{وَوُفِّيَتۡ كُلُّ نَفۡسٖ مَّا عَمِلَتۡ وَهُوَ أَعۡلَمُ بِمَا يَفۡعَلُونَ} (70)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{ووفيت كل نفس} بر وفاجر {ما عملت} في الدنيا من خير أو شر.

{وهو أعلم بما يفعلون} يقول الرب تبارك وتعالى: أعلم بأعمالهم من النبيين والحفظة.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره: ووفى الله حينئذ كل نفس جزاء عملها من خير وشرّ، وهو أعلم بما يفعلون في الدنيا من طاعة أو معصية، ولا يعزب عنه علم شيء من ذلك، وهو مجازيهم عليه يوم القيامة، فمثيبٌ المحسنَ بإحسانه، والمسيءَ بما أساءَ.

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

{وهم أعلم بما يفعلون} يعني أنه تعالى إذا لم يكن عالما بكيفيات أحوالهم فلعله لا يقضي بالحق لأجل عدم العلم، أما إذا كان عالما بمقادير أفعالهم وبكيفياتها امتنع دخول الخطأ في ذلك الحكم، فثبت أنه تعالى عبر عن هذا المقصود بهذه العبارات المختلفة، والمقصود المبالغة في تقرير أن كل مكلف فإنه يصل إلى حقه...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

لما كان ذلك ربما كان بالنسبة إلى ما وقع فيه الحكم، وليس نصاً في شمول الحكم لكل عمل، نص عليه بقوله، ذاكراً الوفاء والعمل لاقتضاء السياق ذلك بذكر الكتاب وما في حيزه من النبيين والشهداء والقضاء الحق، وذلك كله أليق بذكر العمل المؤسس على العلم، والوفاء الذي هو الركن الأعظم في الحق، ومساق العلم، والعلم والوفاء أوفق لجعل العمل نفسه هو الجزاء بأن يصور بما يستحقه من الصور المليحة، إن كان ثواباً والقبيحة إن كان عقاباً، والفرق بينه وبين العقل المؤسس على الشهوة وقوة الداعية: {ووفيت كل نفس} ولما كانت التوفية في الجزاء على غاية التحرير والمبالغة في الوفاء والمشاكلة في الصورة والمعنى، جعل الموفي نفس العمل فقال: {ما عملت} أي من الحسنات، ولذلك عبر بالعمل الذي لا يكون إلا مع العلم وأفهم الختام تقدير "والله أعلم بما يعملون".

ولما كان المراد بالشهداء إقامة الحقوق على ما يتعارفه العباد وكان ذلك ربما أوهم نقصاً في العلم قال: {وهو أعلم} أي من العاملين والشهداء عليهم {بما يفعلون} أي مما عمل به بداعية من النفس سواء كان مع مراعاة العلم أو لا.

فالآية من الاحتباك: ذكر ما عملت أولاً يدل على ما فعلت ثانياً، وذكر ما يفعلون ثانياً يدل عليه ما يفعلون أولاً، وسره أن ما ذكر أوفق للمراد من نفي الظلم على حكم الوعد بالعدل والفضل؛ لأن فيه الجزاء على كل ما بني على علم، وأما المشتهي فما ذكر أنه يجازى عليه بل الله يعلمه...

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

من القضاء، القضاء على كل نفس بما هي به حقيقة من مرتبة الثواب أو العقاب وهو قوله: {ووفيت كل نفس ما عملت}، فقضاء الله هو القضاء العام على كل نفس فيما اعتدت وفيما سلكت وفيما بدلت، ويزيد على ذلك بأنه قضاء على كل نفس بما اختَلَتْ به من عمل وبما أضمرته من ضمائر إنْ خيراً فخيرٌ وإن شرًّا فشرٌّ. وإلى ذلك تشير المراتب الثلاث في الآية: مرتبةُ {وقُضي بينهم بالحق وهم لا يظلمون} مرتبة {ووفّيت كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلت}، ومرتبة {وهو أعلم بما يفعلون}.

والتوفية: إعطاء الشيء وافياً لا نقص فيه عن الحق في إعطائه ولا عن عطاء أمثاله.

وفي قوله: {مَا عَمِلت} مضاف محذوف، أي جزاء ما عملت لظهور أن ما عمله المرء لا يوفاه بعد أن عمله وإنما يوفى جزاءه...