قوله تعالى : { وإن ربك هو يحشرهم إنه حكيم عليم } ، على ما علم منهم . وقيل : يميت الكل ، ثم يحشرهم ، الأولين والآخرين .
أخبرنا أبو صالح أحمد بن عبد الملك المؤذن ، أنبأنا أبو سعيد الصيرفي ، حدثنا أبو العباس الأصم ، حدثنا أحمد بن عبد الجبار ، حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن أبي سفيان عن جابر رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " من مات على شيء بعثه الله عليه " .
{ وإن ربك هو يحشرهم } لا محالة للجزاء ، وتوسيط الضمير للدلالة على أنه القادر والمتولي لحشرهم لا غير ، وتصدير الجملة ب { إنّ } لتحقيق الوعد والتنبيه على أن ما سبق من الدلالة على كمال قدرته وعلمه بتفاصيل الأشياء يدل على صحة الحكم كما صرح به بقوله : { إنه حكيم } باهر الحكمة متقن في أفعاله . { عليم } وسع علمه كل شيء .
ثم أخبر تعالى بإحاطة علمه بمن تقدم من الأمم ، بمن تأخر في الزمن من يوم أهبط آدم إلى الأرض إلى يوم القيامة ، وأعلم أنه هو الحاشر لهم الجامع لعرض القيامة على تباعدهم في الأزمان والأقطار ، وأن حكمته وعلمه يأتيان بهذا كله على أتم غاياته التي قدرها وأرادها .
وقرأ الأعرج «يحشِرهم » بكسر الشين .
قال القاضي أبو محمد : بهذا سياق معنى الآية ، وهو قول جمهور المفسرين : وقال الحسن : معنى قوله : { ولقد علمنا المستقدمين } أي في الطاعة ، والبدار إلى الإيمان والخيرات ، و { المستأخرين } بالمعاصي .
قال القاضي أبو محمد : وإن كان اللفظ يتناول كل تقدم وتأخر على جميع وجوهه فليس يطرد سياق معنى الآية إلا كما قدمنا ، وقال ابن عباس ومروان بن الحكم وأبو الجوزاء : نزل قوله : { ولقد علمنا } الآية ، في قوم كانوا يصلون مع النبي صلى الله عليه وسلم وكانت تصلي وراءه امرأة جميلة ، فكان بعض القوم يتقدم في الصفوف لئلا تفتنه ، وكان بعضهم يتأخر ليسرق النظر إليها في الصلاة ، فنزلت الآية فيهم .
قال القاضي أبو محمد : وما تقدم الآية من قوله : { ونحن الوارثون } وما تأخر من قوله : { وإن ربك يحشرهم } ، يضعف هذه التأويلات ، لأنها تذهب اتصال المعنى ، وقد ذكر ذلك محمد بن كعب القرظي لعون بن عبد الله{[7160]} .
جملة { وإن ربك هو يحشرهم } نتيجة هذه الأدلة من قوله : { وإنا لنحن نحي ونميت } [ سورة الحجر : 23 ] فإن الذي يُحيي الحياة الأولى قادر على الحياة الثانية بالأوْلى ، والّذي قدّر الموت ما قدره عبثاً بعد أن أوجد الموجودات إلاّ لتستقبلوا حياة أبدية ؛ ولولا ذلك لقدر الدّوام على الحياة الأولى ، قال تعالى : { الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً } [ سورة الملك : 2 ] .
وللإشارة إلى هذا المعنى من حكمة الإحياء والإماتة أتبعه بقوله : { إنه حكيم عليم } تعليلاً لجملة { وإن ربك هو يحشرهم } لأن شأن { إنّ } إذا جاءت في غير معنى الرد على المنكر أن تفيد معنى التعليل والربط بما قبلها .
والحكيم الموصوف بالحكمة . وتقدم عند قوله تعالى : { يؤتي الحكمة من يشاء } [ سورة البقرة : 269 ] وعند قوله تعالى : { فاعلموا أن الله عزيز حكيم } في سورة البقرة ( 209 ) .
و العَليم الموصوف بالعلم العام ، أي المحيط . وتقدم عند قوله تعالى : { وليعلم الله الذين آمنوا } في سورة آل عمران ( 140 ) .
وقد أكدت جملة { وإن ربك هو يحشرهم } بحرف التوكيد وبضمير الفصل لرد إنكارهم الشديد للحشر . وقد أسند الحشر إلى الله بعنوان كونه رب محمد صلى الله عليه وسلم تنويهاً بشأن النبي عليه الصلاة والسلام لأنهم كذبوه في الخبر عن البعث { وقال الذين كفروا هل ندلّكم على رجل ينبّئكم إذا مزّقتم كل ممزّق إنكم لفي خلق جديد أفترى على الله كذباً أم به جِنّة } [ سورة سبأ : 7 8 ] أي فكيف ظنك بجزائه مكذبيك إذا حشرهم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.