عطف على { ولا أنتم عابدون ما أعبد } [ الكافرون : 3 ] عطفَ الجملة على الجملة لمناسبة نفي أو يعبدوا الله فأردف بنفي أن يعبد هو آلهتهم ، وعطفُه بالواو صارف عن أن يكون المقصود به تأكيدَ { لا أعبد ما تعبدون } فجاء به على طريقة : { ولا أنتم عابدون ما أعبد } بالجملة الإسمية . للدلالة على الثبات ، وبكَون الخبر اسم فاعل دالاً على زمان الحال ، فلما نفَى عن نفسه أن يعبد في المستقبل ما يعبدونه بقوله : { لا أعبد ما تعبدون } كما تقدم آنفاً ، صرح هنا بما تقتضيه دلالة الفحوى على نفي أن يعبد آلهتهم في الحال ، بما هو صريح الدلالة على ذلك لأن المقام يقتضي مزيد البيان ، فاقتضى الاعتمادَ على دلالة المنطوق إطناباً في الكلام ، لتأييسهم مما راودوه عليه ولمقابلة كلامهم المردود بمثله في إفادة الثبات . وحصل من ذلك تقرير المعنى السابق وتأكيده ، تبعاً لمدلول الجملة لا لموقعها ، لأن موقعها أنها عطف على جملة : { ولا أنتم عابدون ما أعبد } وليست توكيداً لجملة : { لا أعبد ما تعبدون } بمرادفها لأن التوكيد للفظ بالمرادف لا يعرف إلا في المفردات ولأن وجود الواو يُعيِّن أنها معطوفة إذ ليس في جملة : { لا أعبد ما تعبدون } واو حتى يكون الواو في هذه الجملة مؤكداً لها .
ولا يجوز الفصل بين الجملتين بالواو لأن الواو لا يفصل بها بين الجملتين في التوكيد اللفظي . والأجود الفصل ب ( ثم ) كما في « التسهيل » مقتصراً على ( ثُم ) . وزاد الرضي الفَاء ولم يأت له بشاهد ولكنه قال : « وقد تكون ( ثم ) والفاء لمجرد التدرج في الارتقاء وإن لم يكن المعطوف مترتباً في الذكر على المعطوف عليه وذلك إذا تكرر الأول بلفظه نحو : بالله ، فالله ، ونحو واللَّهِ ثم واللَّهِ » .
وجيء بالفعل الماضي في قوله : { ما عبدتم } للدلالة على رسوخهم في عبادة الأصنام من أزمان مضت ، وفيه رمز إلى تنزهه صلى الله عليه وسلم من عبادة الأصنام من سالف الزمان وإلا لقال : ولا أنا عابد ما كُنا نعبد .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم ، وكان المشركون من قومه -فيما ذُكر- عرضوا عليه أن يعبدوا الله سنة ، على أن يعبد نبيّ الله صلى الله عليه وسلم آلهتهم سنة ، فأنزل الله مُعَرّفه جوابهم في ذلك : قُلْ يا محمد لهؤلاء المشركين الذين سألوك عبادة آلهتهم سنة ، على أن يعبدوا إلهك سنة "يا أيّها الكافِرُونَ" بالله "لا أعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ" من الآلهة والأوثان الآن ، "وَلا أنْتُمْ عابِدُونَ ما أعْبُدُ" الآن ، "وَلا أنا عابِدٌ" فيما أستقبل "ما عَبَدْتُمْ" فيما مضى ، "وَلا أنْتُمْ عابِدُونَ" فيما تستقبلون أبدا "ما أعْبُدُ" أنا الآن ، وفيما أستقبل . وإنما قيل ذلك كذلك ؛ لأن الخطاب من الله كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم في أشخاص بأعيانهم من المشركين ، قد علم أنهم لا يؤمنون أبدا ، وسبق لهم ذلك في السابق من علمه ، فأمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يُؤَيّسَهم من الذي طمعوا فيه ، وحدّثوا به أنفسهم ، وأن ذلك غير كائن منه ولا منهم ، في وقت من الأوقات ، وآيسَ نبيّ الله صلى الله عليه وسلم من الطمع في إيمانهم ، ومن أن يفلحوا أبدا ، فكانوا كذلك لم يفلحوا ولم ينجحوا ، إلى أن قُتِل بعضُهم يوم بدر بالسيف ، وهلك بعض قبل ذلك كافرا ...
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
{ ولا أنا عابد ما عبدتم } على نفي العبادة لما عبدوا في الماضي ، وهذا واضح في أنه لا تكرير في لفظه ولا معناه ....
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
{ وَلا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ } أي : وما كنت قطّ عابداً فيما سلف ما عبدتم فيه . يعني : لم تعهد مني عبادة صنم في الجاهلية ، فكيف ترجى مني في الإسلام ....
تفسير القرآن للمراغي 1371 هـ :
وخلاصة ما سلف : الاختلاف التام في المعبود ، والاختلاف البين في العبادة ، فلا معبودنا واحد ، ولا عبادتنا واحدة ؛ لأن معبودي منزه عن الندّ والنظير ، متعال عن الظهور في شخص معين ، وعن المحاباة لشعب أو واحد بعينه ، والذي تعبدونه أنتم على خلاف ذلك . كما أن عبادتي خالصة لله وحده ، وعبادتكم مشوبة بالشرك ، مصحوبة بالغفلة عن الله تعالى ، فلا تسمى على الحقيقة عبادة ...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
عطف على { ولا أنتم عابدون ما أعبد } عطفَ الجملة على الجملة لمناسبة نفي أو يعبدوا الله فأردف بنفي أن يعبد هو آلهتهم ، وعطفُه بالواو صارف عن أن يكون المقصود به تأكيدَ { لا أعبد ما تعبدون } فجاء به على طريقة : { ولا أنتم عابدون ما أعبد } بالجملة الإسمية . للدلالة على الثبات ، وبكَون الخبر اسم فاعل دالاً على زمان الحال ، فلما نفَى عن نفسه أن يعبد في المستقبل ما يعبدونه بقوله : { لا أعبد ما تعبدون } كما تقدم آنفاً ، صرح هنا بما تقتضيه دلالة الفحوى على نفي أن يعبد آلهتهم في الحال ، بما هو صريح الدلالة على ذلك لأن المقام يقتضي مزيد البيان ، فاقتضى الاعتمادَ على دلالة المنطوق إطناباً في الكلام ، لتأييسهم مما راودوه عليه ولمقابلة كلامهم المردود بمثله في إفادة الثبات . وحصل من ذلك تقرير المعنى السابق وتأكيده ، تبعاً لمدلول الجملة لا لموقعها ، لأن موقعها أنها عطف على جملة : { ولا أنتم عابدون ما أعبد } وليست توكيداً لجملة : { لا أعبد ما تعبدون } بمرادفها لأن التوكيد للفظ بالمرادف لا يعرف إلا في المفردات ولأن وجود الواو يُعيِّن أنها معطوفة إذ ليس في جملة : { لا أعبد ما تعبدون } واو حتى يكون الواو في هذه الجملة مؤكداً لها ...
وجيء بالفعل الماضي في قوله : { ما عبدتم } للدلالة على رسوخهم في عبادة الأصنام من أزمان مضت ، وفيه رمز إلى تنزهه صلى الله عليه وسلم من عبادة الأصنام من سالف الزمان وإلا لقال : ولا أنا عابد ما كُنا نعبد .
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
{ ولا أنا عابد ما عبدتم ، ولا أنتم عابدون ما أعبد } فعلى هذا لا معنى لإصراركم على المصالحة والمهادنة معي حول مسألة عبادة الأوثان ، فإنّه أمر محال { لكم دينكم ولي دين } .