المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{مَا سَمِعۡنَا بِهَٰذَا فِي ٱلۡمِلَّةِ ٱلۡأٓخِرَةِ إِنۡ هَٰذَآ إِلَّا ٱخۡتِلَٰقٌ} (7)

ما سمعنا بهذا التوحيد في دين آبائنا الذين أدركناهم . ما هذا إلا كذب مصنوع .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{مَا سَمِعۡنَا بِهَٰذَا فِي ٱلۡمِلَّةِ ٱلۡأٓخِرَةِ إِنۡ هَٰذَآ إِلَّا ٱخۡتِلَٰقٌ} (7)

قوله تعالى :{ ما سمعنا بهذا } أي بهذا الذي يقوله محمد من التوحيد ، { في الملة الآخرة } قال ابن عباس ، و الكلبي ، و مقاتل : يعنون في النصرانية ، لأنها آخر الملل وهم لا يوحدون ، بل يقولون ثالث ثلاثة . وقال مجاهد و قتادة : يعنون ملة قريش ودينهم الذي هم عليه . { إن هذا إلا اختلاق } كذب وافتعال .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{مَا سَمِعۡنَا بِهَٰذَا فِي ٱلۡمِلَّةِ ٱلۡأٓخِرَةِ إِنۡ هَٰذَآ إِلَّا ٱخۡتِلَٰقٌ} (7)

ثم يموهون على الناس بظواهر العقيدة القريبة منهم . عقيدة أهل الكتاب . بعدما دخلت إليها الأساطير التي حرفتها عن التوحيد الخالص فيقولون :

( ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة . إن هذا إلا اختلاق ) .

وكانت عقيدة التثليث قد شاعت في المسيحية . وأسطورة العزير قد شاعت كذلك في اليهودية . فكبراء قريش كانوا يشيرون إلى هذا وهم يقولون : ( ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة ) . . ما سمعنا بهذا التوحيد المطلق لله . الذي جاء به محمد [ صلى الله عليه وسلم ] فما يقول إذن إلا اختلاقاً !

ولقد حرص الإسلام حرصا شديداً على تجريد عقيدة التوحيد وتخليصها من كل ما علق بها من الأساطير والأوشاب والانحرافات التي طرأت على العقائد التي سبقته . حرص هذا الحرص لأن التوحيد حقيقة أولية كبيرة يقوم عليها هذا الوجود كله ؛ ويشهد بها هذا الوجود شهادة واضحة أكيدة . ولأن هذا التوحيد في الوقت ذاته قاعدة لا تصلح الحياة البشرية كلها في أصولها وفروعها إلا إذا قامت عليها .

ويحسن ونحن نستعرض مقاومة قريش لهذه العقيدة ودهشتها وعجبها من جعل الآلهة إلهاً واحداً . ومقاومة المشركين قبل قريش على مدار القرون ومدار الرسالات لهذه الحقيقة كذلك . وإصرار كل رسول عليها ، وقيام كل رسالة على أساسها . والجهد الضخم الذي بذل في إقرار هذه الحقيقة في نفوس البشر على مدار الزمان . . يحسن أن نتوسع قليلاً في بيان قيمة هذه الحقيقة .

إنها حقيقة أولية كبيرة يقوم عليها الوجود ، ويشهد بها كل ما في الوجود . .

إن وحدة النواميس الكونية التي تتحكم في هذا الكون الذي نراه واضحة ؛ وناطقة بأن الإرادة التي أنشأت هذه النواميس لا بد أن تكون واحدة . . وحيثما نظرنا إلى هذا الكون واجهتنا هذه الحقيقة ، حقيقة وحدة النواميس . وحدة تشي بوحدة الإرادة .

كل ما في هذا الكون في حركة دائمة منتظمة . . الذرة الصغيرة وهي الوحدة الأولى لكل ما في الكون من شيء - حي أو غير حي - في حركة مستمرة . فهي مؤلفة من الكترونات تتحرك حول النواة المؤلفة من بروتونات . كما تدور الكواكب حول الشمس في المجموعة الشمسية . وكما تدور المجرة المؤلفة من مجموعات شمسية ومن كتل سديمية حول نفسها . . واتجاه الدورة في الكواكب وفي الشمس وفي المجرة اتجاه واحد من الغرب إلى الشرق . عكس دورة الساعة ! .

والعناصر التي تتكون منها الأرض وبقية الكواكب السيارة واحدة . وعناصر النجوم هي كذلك من عناصر الأرض . والعناصر مؤلفة من ذرات . والذرات مؤلفة من الكترونات وبروتونات ونيوترونات . . كلها مؤلفة من هذه اللبنات الثلاث بلا استثناء . .

" وفي الوقت الذي ترد فيه المادة إلى ثلاث لبنات . يرد العلماء " القوى " إلى أصل واحد : الضوء والحرارة . الأشعة السينية ، الأشعة اللاسلكية ، الأشعة الجيمية . وكل إشعاع في الدنيا . . كلها صور متعددة لقوة واحدة . تلك القوة المغناطيسية الكهربائية . إنها جميعاً تسير بسرعة واحدة ، وما اختلافها إلا اختلاف موجة .

" المادة ثلاث لبنات . والقوى موجات متأصلات .

" ويأتي أينشتين وفي نظريته النسبية الخاصة ، يكافىء بين المادة والقوى ويقول : إن المادة والقوى شيء سواء . وتخرج التجارب تصدق دعواه . وخرجت تجربة أخيرة صدقت دعواه بأعلى صوت تسمعه الدنيا . ذلك انفلاق الذرة في القنبلة اليودينوتية .

" المادة والقوى إذن شيء سواء " .

هذه هي الوحدة في تكوين الكون كما عرفها الإنسان أخيراً في تجاربه المحسوسة . . وهناك الوحدة الظاهرة في نظام الكون كما أشرنا إلى قانون الحركة الدائبة . ثم هي الحركة المنظمة المنسقة التي لا يشذ فيها شيء في هذا الكون . ولا يضطرب فيها شيء . . توازن هذه الحركة في جميع الكائنات بحيث لا يعطل بعضها بعضاً ولا يصدم بعضها بعضاً . وأقرب مثل هذه الكواكب والنجوم والمجرات الضخمة التي تسبح في الفضاء : ( وكل في فلك يسبحون ) . . والتي تشهد بأن مجريها في هذا الفضاء ، المنظم لحركتها وأبعادها ومواقعها واحد لا يتعدد ، عارف بطبيعتها وحركتها . مقدر لهذا كله في تصميم هذا الكون العجيب .

ونكتفي بهذه اللمحة الخاطفة في تتبع حقيقة الوحدة التي ينطق بها نظام هذا الكون ويشهد بها كل ما فيه . وهي حقيقة لا يستقيم أمر هذه البشرية إلا عليها . فوضوح هذه الحقيقة في الضمير البشري ذو أهمية بالغة في تصور البشر للكون من حولهم ، ولموضعهم هم في هذا الكون ، ولعلاقتهم بكل ما فيه من أشياء وأحياء . ثم في تصورهم لله الواحد ولحقيقة ارتباطهم به ، وبما عداه ومن عداه في هذا الوجود . . وكل ذلك ذو أهمية بالغة في تكييف مشاعر البشر وتصورهم لكل شؤون الحياة .

والمؤمن بالله الواحد ، المدرك لمعنى هذه الوحدانية ، يكيف علاقته بربه على هذا الأساس ، ويضع علاقته بمن عدا الله وبما عداه ، في موضعها الذي لا تتعداه . فلا تتوزع طاقاته ومشاعره بين آلهة مختلفة الأمزجة ! ولا بين متسلطين عليه غير الله ممن خلق الله !

والمؤمن بأن الله الواحد هو مصدر هذا الوجود الواحد يتعامل مع الوجود ومن فيه وما فيه على أساس من التعارف والتعاون والألفة والمودة ، يجعل للحياة طعماً وشكلاً غير ما لها في نفس من لا يؤمن بهذه الوحدة ، ولا يحسها بينه وبين كل ما حوله ومن حوله .

والمؤمن بوحدة الناموس الإلهي في الكون يتلقى تشريعات الله له وتوجيهاته تلقياً خاصاً ، لينسق بين القانون الذي يحكم حياة البشر والناموس الذي يحكم الكون كله ؛ ويؤثر قانون الله ، لأنه هو الذي ينسق بين حركة البشر وحركة الكون العام .

وعلى الجملة فإن إدراك هذه الحقيقة ضروري لصلاح الضمير البشري واستقامته واستنارته وتصالحه مع الكون من حوله . وتنسيق حركته مع الحركة الكونية العامة . ووضوح الارتباطات بينه وبين خالقه . ثم بينه وبين الكون حوله . ثم بينه وبين كل ما في الكون من أحياء ومن أشياء ! وما يتبع هذا من تأثرات أخلاقية وسلوكية واجتماعية وإنسانية عامة في كل مجال من مجالات الحياة .

ومن ثم كان هذا الحرص على إقرار عقيدة التوحيد . وكان هذا الجهد الموصول المكرور مع كل رسالة وكل رسول . وكان هذا الإصرار من الرسل - صلوات الله عليهم - على كلمة التوحيد بلا هوادة .

وفي القرآن الكريم يتضح الحرص والجهد والإصرار في تكرار عرض قضية التوحيد ومقتضياتها في السور المكية على وجه التخصيص وفي السور المدنية كذلك في صور تناسب طبيعة الموضوعات التي تعالجها السور المدنية .

وهذه هي الحقيقة التي كان المشركون يعجبون ذلك العجب من إصرار محمد [ صلى الله عليه وسلم ] عليها ويحاورونه فيها ويداورونه ، ويعجبون الناس منه ومنها ، ويصرفونهم عنها بكل وسيلة .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{مَا سَمِعۡنَا بِهَٰذَا فِي ٱلۡمِلَّةِ ٱلۡأٓخِرَةِ إِنۡ هَٰذَآ إِلَّا ٱخۡتِلَٰقٌ} (7)

6

وقولهم : { مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الآخِرَةِ } أي : ما سمعنا بهذا الذي يدعونا إليه محمد من التوحيد في الملة الآخرة . قال مجاهد وقتادة وابن زيد : يعنون دين قريش . وقال غيرهم : يعنون النصرانية ، قاله محمد بن كعب والسدي . وقال العوفي عن ابن عباس : { مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الآخِرَةِ } يعني : النصرانية قالوا : لو كان هذا القرآن حقا أخبرتنا به النصارى .

{ إِنْ هَذَا إِلا اخْتِلاقٌ } : قال مجاهد ، وقتادة كذب وقال ابن عباس : تخرص .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{مَا سَمِعۡنَا بِهَٰذَا فِي ٱلۡمِلَّةِ ٱلۡأٓخِرَةِ إِنۡ هَٰذَآ إِلَّا ٱخۡتِلَٰقٌ} (7)

وقوله : ( ما سَمِعْنا بِهَذَا فِي المِلّةِ الاَخِرَةِ ) : اختلف أهل التأويل في تأويله ، فقال بعضهم : معناه : ما سمعنا بهذا الذي يدعونا إليه محمد من البراءة من جميع الاَلهة إلا من الله تعالى ذكره ، وبهذا الكتاب الذي جاء به في الملّة النصرانية ، قالوا : وهي الملة الاَخرة . ذكر من قال ذلك :

حدثني عليّ ، قال : حدثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : ( ما سَمِعْنا بِهَذَا فِي المِلّةِ الاَخِرَة ) : ِيقول : النصرانية .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : ( ما سَمِعْنا بِهَذَا فِي المِلّةِ الاَخِرَةِ ) : يعني النصرانية ، فقالوا : لو كان هذا القرآن حقا أخبرتنا به النصارى .

حدثني محمد بن إسحاق ، قال : حدثنا يحيى بن معين ، قال : حدثنا ابن عُيينة ، عن ابن أبي لبيد ، عن القُرَظِي في قوله : ( ما سَمِعْنا بِهَذَا فِي المِلّةِ الاَخِرَةِ ) ، قال : ملة عيسى .

حدثني محمد بن الحسين ، قلا : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط عن السديّ ما سَمِعْنا بِهَذَا فِي المِلّةِ الاَخِرَةِ النصرانية .

وقال آخرون : بل عَنَوا بذلك : ما سمعنا بهذا في ديننا دين قريش . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا حكام ، عن عنبسة ، عن محمد بن عبد الرحمن ، عن القاسم بن أبي بَزّة ، عن مجاهد ، في قوله : ( ما سَمِعْنا بِهَذَا فِي المِلّةِ الاَخِرَةِ ) ، قال : ملة قريش .

حدثني محمد بن عمرو ، قا : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : ( فِي المِلّةِ الاَخِرَةِ ) : قال : ملة قريش .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : ( ما سَمِعْنا بِهَذَا فِي المِلّةِ الاَخِرَةِ ) : أي في ديننا هذا ، ولا في زماننا قطّ .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( ما سَمِعْنا بِهَذَا فِي المِلّةِ الاَخِرَةِ ) ، قال : الملة الاَخرة : الدين الاَخر . قال : والملة الدين .

وقيل : إن الملأ الذين انطلقوا نفر من مشيخة قريش ، منهم أبو جهل ، والعاص بن وائل ، والأسود بن عبد يغوث . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ أن أناسا من قُرَيش اجتمعوا ، فيهم أبو جهل بن هشام ، والعاص بن وائل ، والأسود بن المطلب ، والأسود بن عبد يغوث في نفر من مشيخة قريش ، فقال بعضهم لبعض : انطلقوا بنا إلى أبي طالب ، فلنكلمه فيه ، فلينصفنا منه ، فيأمره فليكفّ عن شتم آلهتنا ، ونَدَعَه وإلهه الذي يَعبُد ، فإنا نخاف أن يموت هذا الشيخ ، فيكون منا شيء ، فتعيرنا العرب فيقولون : تركوه حتى إذا مات عمه تناولوه ، قال : فبعثوا رجلاً منهم يُدعى المطّلب ، فاستأذن لهم على أبي طالب ، فقال : هؤلاء مشيخة قومك وسَرَواتهم يستأذنون عليك ، قال : أدخلهم فلما دخلوا عليه قالوا : يا أبا طالب أنت كبيرنا وسيدنا ، فأنصفنا من ابن أخيك ، فمُره فليكفّ عن شتم آلهتنا ، ونَدَعَه وإلهه قال : فبعث إليه أبو طالب فلما دخل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : يا ابن أخي هؤلاء مشيخة قومك وسَرَواتهم ، وقد سألوك النّصف أن تكفّ عن شتم آلهتهم ، ويَدَعُوك وإلهك قال : فقال : «أيْ عَمّ أوَلا أدْعُوهُمْ إلى ما هُوَ خَيْرٌ لَهُمْ مِنْها ؟ » قال : وإلام تدعوهم ؟ قال : «أدعوهم إلى أنْ يَتَكَلّمُوا بِكَلِمَةٍ تَدِينُ لَهُمْ بِها العَرَبُ ويَمْلِكُونَ بِها العَجَمَ » قال : فقال أبو جهل من بين القوم : ما هي وأبيك لنعطينكها وعشر أمثالها ، قال : «تَقُولونَ لا إلَهَ إلاّ اللّهُ » . قال : فنفروا وقالوا : سلنا غير هذه ، قال : «لَوْ جِئْتُمُونِي بالشّمْسِ حتى تَضَعُوها فِي يَدِي ما سأَلْتُكُمْ غَيَرها » قال : فغضبوا وقاموا من عنده غضابا وقالوا : والله لنشتمنك والذي يأمرك بهذا وَانْطَلَقَ المَلأُ مِنْهُمْ أنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا على آلِهَتِكُمْ إنّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ . . . إلى قوله : إلاّ اخْتِلاقٌ وأقبل على عمه ، فقال له عمه : يا ابن أخي ما شططت عليهم ، فأقبل على عمه فدعاه ، فقال : «قلْ كَلِمَةً أشْهَدُ لَكَ بِها يَوْمَ القيامَةِ ، تَقُولُ : لا إلَهَ إلاّ اللّهُ » ، فقال : لولا أن تعيبكم بها العرب يقولون جزع من الموت لأعطيتكها ، ولكن على ملّة الأشياخ قال : فنزلت هذه الاَية إنّكَ لا تَهْدِي مَنْ أحْبَبْتَ وَلَكِنّ اللّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : ( وَانْطَلَقَ المَلأُ مِنْهُمْ أنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا على آلهَتِكُمْ إنّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ ) قال : نزلت حين انطلق أشراف قريش إلى أبي طالب فكلموه في النبيّ صلى الله عليه وسلم .

وقوله : إنْ هَذَا إلاّ اخْتِلاقٌ يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل هؤلاء المشركين في القرآن : ما هذا القرآن إلا اختلاق : أي كذب اختلقه محمد وتخرّصه . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا عليّ ، قال : حدثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : ( إنْ هَذَا إلاّ اخْتِلاقٌ ) : يقول : تخريص .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : ( إنْ هَذَا إلاّ اخْتِلاقٌ ) ، قال : كذب .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا حكام ، عن عنبسة ، عن محمد بن عبد الرحمن ، عن القاسم بن أبي بَزّة ، عن مجاهد : ( إنْ هَذَا إلاّ اخْتِلاقٌ ) : يقول : كذب .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : ( إنْ هَذَا إلاّ اخْتِلاقٌ ) : إلا شيء تخْلُقه .

حدثنا محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : ( إنْ هَذَا إلاّ اخْتِلاقٌ ) : اختلقه محمد صلى الله عليه وسلم .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( إنْ هَذَا إلاّ اخْتلاقٌ ) ، قالوا : إن هذا إلا كذب .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{مَا سَمِعۡنَا بِهَٰذَا فِي ٱلۡمِلَّةِ ٱلۡأٓخِرَةِ إِنۡ هَٰذَآ إِلَّا ٱخۡتِلَٰقٌ} (7)

وقولهم : { ما سمعنا بهذا } يريدون بمثل هذه المقالة أن الإله واحد .

واختلف المتأولون في قولهم : { في الملة الآخرة } فقال مجاهد : أرادوا ملتهم ونحلتهم التي العرب عليها ، ويقال لكل ما تتبعه أمة ما ملة . وقال ابن عباس والسدي : أراد ملة النصارى ، وذلك متجه ، لأنها ملة شهير فيها التثليث ، وأن الإله ليس بواحد . وقالت فرقة معنى قولهم : { ما سمعنا } أنه يكون مثل هذا ، ولا أنه يقال في الملة الآخرة التي كنا نسمع أنها تكون آخر الزمان ، وذلك أنه قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم كان الناس يستشعرون خروج نبي وحدوث ملة ودين ، ويدل على صحة هذا ما روي من قول الأحبار ذوي الصوامع ، وروي عن شق وسطيح ، وما كانت بنو إسرائيل تعتقد من أنه يكون منهم .

وقولهم : { إن هذا إلا اختلاق } إشارة إلى جميع ما يخبر به محمد صلى الله عليه وسلم عن الله تعالى .